مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

المركز الخامس: عَزاء بقلم/ سعيد أبوحجر (ليبيا)

المركز الخامس:
عَزاء
بقلم/ سعيد أبوحجر (ليبيا)
جلس على قارعة الطريق، ينظر إلى قدميه الحافيتين، يخرج ما تسرب إليهما من الحصى و فتات الخشب و الزجاج، أراح رأسه إلى الوراء قليلا، مد بصره إلى المحالّ التي تصطف فيها الأحذية، كان كلما جمع مبلغًا من المال، صدف إليها، فيفاجئه البائع بأن ثمنها ارتفع، يعود بخفي حنين، قدماه تشبهان قدمي والده، مفلطحتان، متشققتان، من دون نعل، يعود إلى سؤاله الذي يرافقه دائمًا، يزحم عقله في كل مناسبة تمر، و أحيانًا من دون مناسبة:
-        ما قيمة الحذاء للإنسان، ألم يولد حافيًا؟
سؤال يعزّي به نفسه التي تتوق لحذاء، كبر فغطّى الشعر وجهه، لكنّ قدميه ظلتا على لونهما، تنفس بقوة كأنّه يشحذ همته، تركزت عيناه على أكثر المحالّ رونقًا، سدد ناظره إليه، تخطّى الخارجين و الداخلين، صار يتفقد الألوان و الأحجام، تأمل حذاءً راق له، لم يسأل عن ثمنه، و لا عن مقاسه، رفع يده، هوى بها على الزجاج النقي، فانصاع تحت قبضته متناثرًا، مدّ أصابعه المضرجة بالدماء، استلّ الحذاء من مرقده، علت الأصوات خلفه:
-        لص، سارق.

انهالت عليه الركلات من كل جانب، حاول إدخال قدمه في الحذاء، لكنّ الركلات كانت أسرع، طرحته أرضًا، صارت تزدحم على جسده المسجّى، منعت يديه من أن تصل إلى قدميه، ألوانها لامعة، كم هو محظوظ، أراد أن يظفر بحذاء، فازدحمت عليه مئات الأحذية، ارتسمت على محياه ابتسامة، تزداد كلما زاد الركل، بدأ يشعر بالضعف، بينما ابتسامته تزداد قوة و صلابة، شعر بأنفاسه تغادر صدره، ظلت عيناه مفتوحتين، و ابتسامته منحوتة على شفتيه، في اليوم التالي شَيّعت جنازته حشود من الحفاة.