مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

المركز السابع مكرر: يوم غادرتني الأبجدية بقلم/ وسام محمد دبليز (سوريا)

المركز السابع مكرر:
يوم غادرتني الأبجدية
بقلم/  وسام محمد دبليز (سوريا)
استيقظت بتثاقل لأجد نفسي على سرير يحيط بي البياض، وأجهزة بأرقامٍ ورموزٍ وأصواتٍ منتظمة.
فتَّشت في رماد ذاكرتي، كيف جئت إلى هنا؟!
يد الممرضة الحانية فوق ضفيرتي التي غزاها البياض تقطع شرودي في اللًّاشيء، حاولت سؤالها لكنِّي لم أستطع! وكأنَّ عقدة في لساني... لكنَّ يدها الرَّقيقة أعادتني لتلك الليلة السَّوداء؛ يوم أمسكتني أمِّي وضمَّتني إلى صدرها بقوَّة وكأنَّها تحاول إعادتي جنيناً يختبئ في طبقات رحمها قائلة:
"عديني أنَّك لن تأتِ بأيَّة حركة أو همسة مهما حدث! مهما رأيتِ، هيَّا يا لمياء عديني بذلك"...
كانت قلقةً على أنوثتي الفتيَّة التي ستكون وجبة دسمة لشهواتهم الحيوانيَّة...
طلبَت مني الدُّخول والجُّلوس في الخزانة، وتركت الثِّياب بعشوائيَّة فوق جسدي النَّحيل. أصوات البارود في الخارج وصراخ وتكبير يهزُّ النَّفس رعباً، ضَربٌ على باب منزلنا وأمِّي تهمس لي بين كلمات الدُّعاء المرتجفة: "مهما حدث يا لمياء، عديني عديني أن تبقي صامتة".
يُفتح الباب بعد صوت انفجار يهزّ المنزل ويدخلون، أسمع وأكاد لا أسمع صوت أمِّي في اختناقٍ يكاد يخنقني... توسُّلاتها، صراخها؛ ماذا يفعلون بأمِّي؟!
أنكمش على جسدي بوضع جنينيٍّ، أكاد أصرخ بملء حنجرتي، لكن الخوف من هذه
الوحوش يبقيني صامتة، كدمية شاحبة...
أبحث عن الله في قلبي المضطرب علَّه يمدُّ لها طوق النَّجاة، يعلو صوت صراخها من جديد... عبر ثقب المفتاح أراه يطوِّق جسدها ضرباً، يمزٍّق ثوب عفَّتها، كبندول ساعة يهتزُّ فوق جسدها وهي تلعنه وتشتمه فيسكب قذارته في جسدها...
أدور في دوَّامة اللَّاوعي بوجه خالطته الصّفرة، يعلو إيقاع نبضي في أذني، يهمد صوت الصّراخ معلناً عن ضحك هستيري وصوت طلقات الرَّصاص...
يختفي الصَّوت، وتتوقَّف الحياة في عينيّ... أهمس لأمِّي عبر ثقب المفتاح:
"أمِّي! هل أنتِ بخير؟!؛ فتخزلني حنجرتي، أختنق بصوتي المصلوب، أرفع يدي المشلولة لأفتح الباب فأعجز، لا أعلم كم من وقتٍ مضى، كان ثقيلاً فوق طاقات جسدي على الاحتمال...
لا أدري كيف عادت الحياة إلى دمية جسدي السَّاكن من جديد؟!
فتحت الخزانة بتثاقل، وعندما خرجت كدتُ أصرخ: أين أنا وسط هذا الخَّراب؟!
تغتسل قدماي بالدِّماء وأكاد أقع، أقترب أكثر من جسد أمِّي العاري إلا من الدِّماء.
أقرأ النَّدم في عينيها الجَّامدتين في نقطة ما في السَّقف، فلا بدَّ أنَّها كانت تتمنَّى الموت ألف مرَّة على ألَّا أشهد ما حدث، أجمد كتمثال فيما تغسل دموعي وجهي:
أمِّي! أرجوكِ لا... لا تتركيني... عودي... عودي أمي!
أرجوكِ... قولي كلمة! كلمة فقط!...
حذاء أمي المقطوع والمعجون بالطِّين في يد العاملة يفتح صنبوراً من الماء المغلي على روحي؛ فما حدث كان حقيقة!.
نهضتُ بسرعة قبل أن تضعه في كيس القمامة، فنهضت معي كل خلايا الألم، رفعت الغطاء الأبيض، لكني اصطدمت بفراغٍ يحلُّ مكان قدمي اليسرى.
تذكَّرت أن آخر ما سمعته ـ حين انتعلته هاربة من رائحة الدَّم، والجثث المتناثرة في الطُّرقات الموحشة ـ صوت رصاصٍ لم يخطئ طريقه إلى جسدي.

انتهت