مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

بين بين بقلم: أسماء مرضي راشد العنزي (الكويت)

بين بين
بقلم: أسماء مرضي راشد العنزي (الكويت)
يوصَد الباب، و يضطر للوقوف خارجاً ، يدعك وجهه المنهك، و يقطع الممرّ ذهاباً و إياباً، يهمهم:
- كيفَ له أن يدرك ما جرى و ما يجري؟ كيف لي أن أخبره؟
و لأنّه البلد الوحيد الذي تدخُل فيه امرأة المشفى لتلد طفلاً و على الأرض شهيد مسجى، لأنه البلد الوحيد الذي يمسك بطفليه، الموت و الحياة، ليقطعا الطريق دون أن يصيبها أي أذى، لأنه البلد الوحيد الذي يتكئ فيه أب على حائط ملطخ ببقع الدّم، بجانب طفلٍ يفترش الأرض عارياً إلا من شاش يحيط بجسده كاملاً... لأنها سوريا، كان عليه أن يفكّر في كيفيّة حياة الطّفل قبل أن يولد. كان مضطرباً، إذ كيف يولد طفل بهكذا أوضاع، إن ولادة طفل جديد تشبه ولادة ثورة، علينا أن نكون على أهبة الاستعداد لكافّة السيناريوهات، مسؤولين جادّين، بيد أن المعضلة تكمن في أن الثورة و الولادة ينبثقان بالصّدفة، نعم تظهر الإرهاصات، لكنهما غالباً ما يجيئان صدفة، فتجدُ نفسك، في كلتا الحالتين مطلوباً للمواجهة، إما الحياة و إما الموت. ربّما تكون الحياة عبئاً على البعض أكثر من الموت، تقتضي الدّقة أن نقول: على السوريين فحسب، الموت صديق سوريّا الوفيّ، إنه المنجى و المنجوّ منه، المهرَب و المهروب منه، و إذا ما أرادوا الفرار منه، لجؤوا إليه. تخرجُ فتاة في العقد الثاني من عمرها، ينهضُ مرتعشاً:
- كيفَ هي ؟
- بحاجة لكيس دم.
- أنا لها !
- لدينا ما يكفي، ابقَ هنا.
يحاول استراق النظر لها، يسمع تأوهها الخجِل، تقبض بعنف على أطراف السرير المخضب بدم شهداء سابقين، فيضحك ساخراً:
- نحن الذين ننجب أطفالاً ليحيوا على أسرّة أطفال لفظوا أنفاسهم الأخيرة عليها.

يهمَ بالدخول، تزجره الممرّضة، يمتقع وجهه، يطلب منها الإبتعاد. كان يريدُ معانقة أصابع زوجته بدلاً من أن تعانق قماشاً احمرَّ من الموت، كان يريد أن يهمسَ لها بألا تخافي، أنا هنا، لكنّ قذيفة الهاون أبت إلا أن تكون هي الهامسة بتلك الكلمات، تهبطُ من السماء كمخرج طوارئ، كنورس يلتقط صغار السمك و يهرب للسماء، تتنزّل كوحي يقطع الشك باليقين، الحياة بالموت، و تُنهي كل هذه التساؤلات، الآلام، الاحتياج، و الفزع، الريبة، و الحياة، و تنثر الورود/ الشظايا على الأم، و ا لأب، و الطاقم الطبي، و الطفل الذي لم يولد بعد، وتنفجر. وحدها سوريا التي تستهلّ بالموت قبل الحياة.