مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

سطوة عشق بقلم: جيدة زاوية (الجزائر)

سطوة عشق
بقلم: جيدة زاوية (الجزائر)
أخاف ان أخسرك و أنا لم أملكك بعد... أهذا الذي يخيفني؟! يا لي من حمقاء، لا أملك ورقة ملكيتك و لا حتى عقد إيجار مقابل سنوات من العمر الوردي أهدتها لك سذاجتي و بياض قلبي الذي أصبح يؤلمني أكثر مع الأيام مع الأحزان مع تجاهلك لي و مع عدم قدرتي على نسيانك...
كبرت في غيابك... أردت أن أقول ذلك، و لكني اكتفيت بأن ألبس ابتسامة على عجل و أن أستعير من الجو أكسجينا يكفيني لأقول: مساء الخير...
كنت كعادتك أنيقا، مخربش الشعر حزين العينين، تتثاءب الكلمات على شفتيك؛ لتشعرني بالنعاس و ذلك الكسل الشتوي الناعم... كانت الكلمات بيننا رسمية و الحب مؤجل إلى مواسم الحزن المعلن و نوافذ الحنين المشرع، ليجلس أمامها كعصفور تطارده غيمة شقية و يدعوه كوب شاي ساخن إلى الاستحمام و الغرق البطيء و الاختناق النسوي العطر... كنت أنتظر ألا ترد علي تحيتي كما كنت تفعل لأعرف إن تغير فيك ذلك الكبر الرهيب و ان كنت لا تزال تنظر إلى الجميع من فوق حصان، لكن فاجأني ردك و لم أعلم أي أنوار أردت أن تشعل بقولك: مساء الأنوار...
عرفت حينها أن شيئا بداخلك انكسر، ربما ذلك الكبرياء العنيد قرر أخيرا أن يتخلى عنك. لم أرد أن أفكر في كل هذا بل أردت أن أفرح ملء الوقت القصير الذي مر بشفتيك لتقول لي: مساء الأنوار... هناك كلمات بسيطة تكبر قيمتها بهوية قائلها، لم تكن تعرف حجم السعادة التي حملتها لي بين شفتيك و كنت أعلم حجم التعاسة التي مرت بعيني في غياب حضرتك... فكرت كثيرا في غيابك أن أتبرع بذاكرتي لصالح مرضى الزهايمر و أن أترك قلبي فوق لوح الشطرنج
أردت أن ألومك، أن أصفعك بقبلة، أن أقتلك باحتضانك، أن أطوقك بشعري، ثم فجأة يعيدني صوتك إلى منتصف الشارع و إلى صراخ المارة، تنتشلني من نفسي بقول: سنلتقي مرة أخرى...
لكن أنا لم أفق بعد من الكلمة الأولى و الأن تودعني!؛ هل كنت أنت حقا؟ أم كان طيفك يعبث بي بعد أن قررت تجاهله... بقيت نصف ساعة و أنا وسط ذلك الشارع أبحث عن عطرك لأسأله هل مر من هنا!؟... لم أجده؛ عرفت حينها أني كنت أتخيلك أو ربما أني جننت حقا، كنت وحدك سببا كافيا لأجن منذ سنوات و لأموت منذ سنوات، كل هذا كان يمكن أن يحدث .. فلماذا حدث هذا اليوم؟! أردت اليوم أن أخرج وحدي، أن أراقص المطر...
أن لا تكون في حقيبتي أو جالسا على كرسي الحديقة تنتظرني، و تنظر إلي عيناك معاتبا تأخري. كنت أريد أن أشفى منك و لو ليوم واحد .. لماذا جعلتني أصدق أنه يمكنني أن أشفى منك لنصف يوم فقط! لتعود مساء وخزات عشق حافية القدمين ترقص على جسدي و تشعرني أني لا أملكني و أنك قدري المحتوم و أني مسيح مصلوب شبهت لك
تغزونا رصاصات الشوق، تمزق داخلنا بعنف تبقينا على الأبواب منتظرين فلا هي تدخلنا و لا هي تطردنا
تفجر فينا قنابل الحنين ترسلنا لنموت كمجهولين، دون هوية نموت، بلا لفة كفن، بلا صلاة يكبر فيها علينا أربعا..
هل كنت طيفا؟ تتركني لحيرة السؤال و ثورة البكاء الليلية و عصبية الوقت المجنون، تتركني كساحل آسيوي يغازله تسونامي... متعبة حتى النخاع سيدي، حتى الغثيان،  حتى... ال...
أفتح باب غرفتي، تنزلق الحقيبة من فوق ذراعي، أهوي بجسدي على حافة السرير، كأنك تطردني مني على مهل و تغتالني على عجل. لم أعرف كيف وصلت إلى غرفتي و لا حتى كم الساعة و لا في أي يوم نحن فقط أحسست بجوع قراءة و برغبة لاحتضان كتاب ما، لأرى "محمود درويش" يدعوني من تحت نظارته إلى أن أمس ديوانه "أحد عشر كوكبا"، لم أقاوم أو ربما لم تكن عندي قدرة على المقاومة، أم أني أحسست بالكتاب وجعا يفوق وجعي، وجع سياسي عروبة مبتورة، حتى في انتماءاتنا محاصرون بالخيبة و الجبن الرفيع النوعية، فاشلون حتى في وطنيتنا.
قرأت بكل حواسي "في الرحيل الكبير، أحبك أكثر"، آه يا درويش لماذا يرحلون و نبقى؟ و نبقى ليرحلوا؟، رحلت و بقيت أنا تحت القصف العنيف أيها الطيف الفوسفوري، لا تنظر إلي، تخيفني عيناك على الغلاف، كأني لا أعرفك كأنك لست الفلسطيني العاشق و كأنها ليست بفلسطين تغمض عينيك على حائطها في الرحيل الكبير.
لماذا يملك الموتى هيبة لا يملكها الأحياء؟ لأكتشف بعدها أن الذل يقتات على الكبار ليكبر الأنذال (خيبة أخرى أجالسها هذا المساء). الساعة بدلال تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل، يبعثرني السهر على كتب كنت قد نسيتها و نسيت أنها ثروتي و ثورتي، نسيت ذلك الحلم الكبير الذي كنت أنام عليه و أنا لا أزال في الثامنة من العمر بأن تكون عندي مكتبة أكبر من تلك التابعة للبلدية، كان حلما فهل كنت أنت أيضا حلما؟
كنت أحشوك في دميتي لأمسك بيدها قبل أن أنام، لم أرد شيئا أكثر و لا أكبر و بقليل من مكر أنثى أردت أن أحد من زئبقيتك و أحبسك في دمية أسميتها "رحيل".. صرفت كل مدخراتي القلبية عليك و بإسراف حتى الإفلاس، عشت ببذخ و يختك يرسو في عيني، و كنت كمن تجلس على مقعد بكاء تنسج شالا لشتاء قادم.
أيها العاشق لبلاد الزيتون، أريد حياة أخرى لأحب الزيتون بصدق، لأكرمه في صحني، لأنه لا وقت يكفي للوقت و لا وقت للحب المخملي، الحب المرصد بقدود العذارى و خدود السمارى لا وقت لأن تعشق أو تعشق، حينما ينتقض طهر وطنيتك فأعلم أن الحدود عليك ستقام، لكن، الجروح اليوم بلا قصاص، لا تغلق الأبواب سيدي و عد إلى فرعونك نفسي سأكونها يوسف، و قميصي قد من قبل و من دبر، أنا الليلة لا أريد أن تكونني أو أكونك فهناك من يدعوني لأكونه، عاشق مثلي يبحث عن أندلس، مثقل بالكلمات يبحث عمن يحمل عنه عبء القصيدة.
أخيرا دخل النوم مزدحما بالفرح تحت البطانية بطيف ذهب و بعاشق مفرط في الحب، عاشق يسكن امرأة بحجم مدينة، عاشق خرافي خزعبلي يمشي فوق الريح، ينام فوق الماء الزبدي محتضنا ياسمينة و نخلة. اندلع الآذان يدعوني، أغرقت نفسي وضوءا و صلاة، فتحت النافذة بلطف، سرت بي قشعريرة صباحية، أطلقت عيناي حد الشمس الصاعدة من الجبال، فإذا به يهزني بربتة على كتفي قائلا:
لا أريد من الحب غير البداية، يرفو الحمام فوق ساحات غرناطتي ثوب هذا النهار
في الجرار كثير من الخمر للعيد من بعدنا
في الأغاني نوافذ تكفي لينفجر الجلنار...

- لكني أرى الشمس حزنا تدنو من الغياب و مدائن رخامية الظل تتكلس، أصوات لا تعلو إلا لتصفق، ليصبح الكلام محضورا عنك و أنت في حضرة التجول تفقد ما تبقى لك من حروف فوق أحد دهاليز تلك المدائن الداكنة، و محمد العربي تحت الركام يحاول عبثا ربيعا أن يتنفس، لم أكن أريد أن أحزن و أنت واقف بجانبي و لا شيء بيننا غير حزنك، فانت رجل حزن... فجأة لم أعد أراك، عدت إلى الصورة على الغلاف و بقيت أنا و حزنك نكابر أمام النافذة.