بقلم: مريم محمد
الموسوي (الكويت)
من بين شواطئَ
نحنّ إليها، هناك شاطئٌ يستعمرنا، ينفينا من غربتنا فتحمل أمواجه إلينا وطنًا لا
يستقبلنا.
بقلبٍ مخلص يحفظ
المكان، يهمّ أن يكتب شيئًا لكنّه لم يعُد يتذكر. هزمَه العمر، ليت تلك العصا
تُدرك من أسنَدَت! لربّما خضعت حياءً و انحَنَتْ.
جنديٌّ راوغته
أرض المعركة، أوهمَته أن الصمود شجاعة، فلم يقع إلا في الأسر. كيف يألف القيود من
رافق سلاحًا مدافعًا عن حريّته؟ و كيف يخضع من رفرفت هامته علمًا في ساحات الحروب؟
مع كل سؤالٍ من عدو كان يحدث ثقبًا في ذاكرته يخبئ فيه أسماء أصحابه، ثقبًا ليواري
فيه مواقع الأسلحة في بلده، آخر ليحتفظ فيه بأسرار وطنه، ثقبًا ليدفن فيه صور
أصحابه ملطّخين بدمائهم و ثقبًا أعمق من الآخرين يكتم فيه صرخاتهم الأخيرة.
عشرة أعوامٍ مضت
به أسيرًا، احترفَ عمل الثقوب، أعدّ لكل ذكرى ثقبًا، رائحة القهوة التي تعدّها
أمه، صوت والده و هو يتلو آياتٍ من القرآن، نزاع إخوته على قطعة حلوى، فوز أخته
الصغرى بها، شاطئ جمعه بخطيبته، ليلة سعادته، صوت الممرضة و هي تصيح ذكر و ابتسامة
مولودٍ لم تشقِه الحياة بعد.
حتى أنه يوم عاد
إلى أرض الوطن محمّلًا بالشوق، مكويًّا بالجراح، رأى امرأته زوجةً لآخر، زار
قَبْرَيْ والدَيْن لم يحظَ بدفنهما، صنع ثقبًا جديدًا و مضى.
لماذا هذا
الشاطئ دون سواه بعد مضي عشرين عامًا؟ لا يدري حقًا! إلّا أن هواءَه يلامس ثقوبًا
في ذاكرته اجتمعت لتكوّن هوّة سحيقة تجرّ كلّ ماضيه إلى حيث لا يدري، أراد أن يكتب
شيئًا عن الخذلان لكنّه لم يعُد يتذكر.