المركز السادس
تودد الثعبان
بقلم / بسمة أباظة: الكويت
خرجت من باب العمارة أهرول، أنظر خلفي كل
دقيقة لأتأكد من عدم وجود أحد يطاردني، ساقتني قدماي إلى ملاذي الحضن الذي دوما
احتواني إلي كورنيش النيل...
جلست علي ضفاف النيل ألتقط أنفاسي، أحاول أن
أستجدي من النيل الراحة و الأمان، أن ألقي بهمومي في أحضانه كما تعودت منذ صغري،
لكني شعرت شعور غريب أول مرة أشعر أنه يرفضني و يلفظني يقول لي ليس هذه المرة، لن
أسامحك لن أغسل عنك ذنوبك لن أقبلك ابنة لي ثانية، ليس بعد أن تلوثت يداك
بالدماء...
لكنها هي المذنبة هي من خانتني، هي من دفعتني
للقتل أنا الضحية هنا، كان لابد أن أدافع عن نفسي و بيتي و زوجي و أولادي، أي أخت
تلومني عن قتلها، التي تخونني مع زوجي، لقد رأيت رسائلها على هاتفه تعده بليلة
حمراء و يتفقا على الخروج سويا، نعم قتلتها، وضعت السم في الشاي و قدمته لها
بابتسامة، هذا جزاء الخيانة، تركتها لتتذوق آلام السم، كم كنت أتمني أن أراها
بعيني و هي تتلوى من الألم كالثعبان، كما تلوت حول زوجي لتغويه و تخطفه من
حضني، لكن يكفيني أن أعرف أنها لن ترى نور
الشمس ثانية، في خلال ساعتين سيبدأ مفعول
السم، ستكون نائمة و كذلك كل من بالمنزل،
في الأغلب ستموت أثناء نومها و لن يشك فيَّ أحد قط، سيظن الجميع أنها ماتت
جراء نوبة قلبية فهي مريضة قلب؛ لذلك لم تتزوج...
كنت أرى دوما نظرات الحقد و الحسد في عينيها،
كانت تحسدني على حياتي و زوجي و أولادي، تمثل حبها لي و لهم، لتحاول أن تستدر حبهم
و عطفهم عليها كما كانت تفعل دائما منذ صغرها، اعتادت تمثيل دور البريئة الرقيقة
المريضة، لتسرق عطف و حب الجميع، كانت دائما تخدعهم، لكن ليس أنا، لأني أعرف ما
تخفية من سواد القلب و العقل فهي ثعبان لعين و اليوم فقط بترت ذيلها لأتخلص منها
للأبد...
فجأة دق جرس الهاتف النقال الخاص بي، شعرت
بالخوف و الذعر نظرت في شاشة هاتفي إنها هي ما الذي تريده، هل بدأ مفعول السم
بالفعل؟! لكن هذا مستحيل لقد قمت بتركيب هذا السم بنفسي فدراستي للصيدلة جعلتني
أستطيع تحضير أقوى السموم، لن يظهر مفعوله قبل 3 ساعات و لم تمر سوى نصف ساعة فقط
على شربها للشاي، توقف الهاتف، حمدت الله كثيرا، لكن لم تمر دقيقة إلا و أتصلت
ثانية قررت أن أرد عليها:
ألو، كيف حالك يا مي؟
الحمدلله، لمَّ لم تردي عند اتصالي اول مرة؟
آسفة عندما أخرجت الهاتف من حقيبتي كنت
أغلقتي الخط و ليس لدي رصيد كاف لأتصل بك...هل هناك خطب ما؟
لا كنت فقط أريد أن أطمئن عليك أنك وصلت
بسلام إلى المنزل، أم أنك لازلت في
المواصلات؟
لقد أوشكت على الوصول، لكن الطريق مزدحم
قليلا، سأتصل بك عند وصولي...
حسنا مع السلامة...
مع السلامة...
لابد أنها تريد أن تتصل به و تخاف أن أكون
بجواره، يا لها من ثعبانه ماكرة تتودد إلي لتتمكن من تسميم حياتي، لقد نلت ما تستحقينه...
نهضت و أخذت سيارة أجرة حتى منزلي، وجدت زوجي
يخفي هاتفة تحته بحركة سريعة حتى لا ألاحظ و يتصنع مشاهدة التلفاز حوله أطباق
الطعام فارغة و أعقاب السجائر في كل مكان، و الأكواب ملقاة على الارض بإهمال، نظرت
للمكان و يأكلني الغيظ و الغضب، نظر لي بطرف عينه، و سأل بلا مبالاة:
لمَّ تأخرتِ هكذا؟ هل الجميع بخير و كل شيء على ما يرام؟
نعم، الجميع بخير و يرسلون لك السلام...
حسنا اذهبي لتحضير العشاء فأنا جائع...
تركته و توجهت إلى غرفة نومي لتبديل ملابسي،
أنا أعرف أنه فقط يريدني أن أرحل حتى يستكمل محادثته معها، سأترككما فهذه هي أخر
محادثة بينكما...
غيرت ملابسي و توجهت للمطبخ لتحضير الطعام
كما طلب، عندما ذهبت إليه بالطعام وجدته نائما، نظرت إليه أتأمله أتذكر قصة حبنا و
زواجنا، كم مررنا سويا بمصاعب كثيرة، كيف نسيت كل هذا! كيف طاوعك قلبك علي خيانتي؟ و مع من؟ أختي؟!
لكني أعرف أنه ليس ذنبك إنها تلك الحيه التي تلوت و نصبت شباكها حولك، لا تقلق يا
حبيبي، فأنا هنا إلى جانبك لن أتركها تلعب بك كالدمية، سأحميك منها مهما كلفني الأمر...
نهضت لأرتب الفوضى التي صنعها زوجي و أغسل
الأواني و انظف ما صنعة من فوضى، ثم أنهضته نصف نائم ليتوجه إلى غرفة النوم...
دخلت في السرير و ظللت أتقلب على الجمر، لم أستطع النوم و دقات الساعة ترن في أذني
كالطبول، نهضت و توجهت للصالة...
جلست على الأريكة و تسمرت عيناي على عقارب
الساعة، لقد مرت 4 ساعات الأن منذ شربها للشاي،
لابد أنها ماتت الأن...
لقد انتصرت عليها أخيرا، في الصباح سأتصنع
الصدمة عند تلقي الخبر من أمي و الانهيار و الحزن أمام الجميع، سأتشح بالسواد،
سأراقبه حين يعرف الخبر، سأحاول تخفيف أثار انسحاب إدمانه لها...
غفوت في النوم لا إراديا لأستيقظ في السادسة
صباحا على اتصال من أمي تبكي:
لقد ماتت أختك...
تصنعت الحزن و الصدمة و الانهيار، لكن وسط
هذا التصنع كانت هناك غصة حزن حقيقية فهي أختي الوحيدة...
أستيقظ زوجي على صوتي أصرخ لقد ماتت مي، ارتبك هو كثيرا لم يكن يدري ما الذي عليه فعله،
هل يظل بجانبي، أم يذهب ليرتدي ملابسة ليكون بجوار والدي لأجراءات الدفن، في
النهاية أجلسني علي الأريكة بعد تصنعي الانهيار في الارض، و ذهب مسرعا للحمام
ليستعد ليوم طويل مرهق...
جلست على الأريكة أفكر ماذا سأقول و أفعل
أمام الجميع و ما هي إلا لحظات إلا و شعرت بشيء يهتز تحتي، إنه هاتفه لقد نسيه هنا
منذ أمس...
نظرت فيه أنها رسالة من مي، لقد ماتت، كيف
ترسل ميتة رسالة هاتفية، هل هو شبحها يخبره من قتلها، فتحت الرسالة:
صباح العشق، احبك للغاية، شوقي إليك، يزداد
كل ثانية لا تتركني هكذا حتى لا يحرقني حبك، سأنتظرك في الثانية ظهرا في نفس
المكان لا تتأخر...
ظلت رأسي تدور لا أفهم كيف بعثت مي بهذه
الرسالة؟ هل أرسلتها بالأمس و لم تصل إلا
الآن، لكنها تقول له صباح العشق!
ها هو اسمها و صورتها علي المحادثة، هناك ما
دفعني لأفتح لأبحث عن رقم هاتف صاحبة الصورة إنه ليس هاتف مي برغم أن عليه صورتها
و أسمها...
خرج زوجي من الحمام و حينما واجهته بالرسالة
خر باكيا و طلب السماح، طلبت منه أن أفهم أعترف لي إنها شهيرة أعز صديقاتي لكنه
سجلها تحت اسم و صورة مي؛ حتى إذا رأيت رقم هاتفها
عنده لا أشك في سبب وجوده لديه، بكى و ترجاني أن أغفر له أخبرته أني أحبه و أسامحه و الدليل أني سأجهز
كوبين من الشاي الذي يحبه نشربهما سويا قبل أن نتوجه للعزاء و الدفن، دخلت المطبخ
و حضرت الشاي بخلطتي السرية و أنا أبتسم موعدنا بالجحيم يا حبيبي سأنتظرك هناك.