مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

المركز التاسع (مارس 2016):تماهٍ

المركز التاسع
تماهٍ
بقلم/ ياسر جمعة: مصر
   عند أول بزوغ لضوء النهار، و قبل استغراقي في النوم، تخيلت أن رجلا يشبهني إلى حد التطابق، استيقظ على لمسة غير مقصودة من زوجته النائمة بجواره، و هي عارية تماماً مثله؛ انسحب من تحت الغطاء في حذر، خشية أن يوقظها، كان نهوضه ـ رغم حرصه الشديد ـ سببا في استيقاظها، غير أنها تصنعت النوم، راحت تتأمله خلسة، و هو يرتدي ثيابه، ثم يخرج من الغرفة على أطراف أصابعه.
   ما أن وصل إلى منتصف الطرقة، شاحبة الضوء، إلا و قد هاجمه إحساس بالخجل، خشية أن تراه زوجته عارياً ـ رغم مرور أعوام عديدة على زواجهماـ  فتسمر في موضعه هذا، إلى أن أخذني النوم.
بعد ساعتين تقريباً، استيقظت إثر حلم مدهش: كنت في شارع مزدحم، اعترض طريقي رجل كهل، صافحني بحميمية أربكتني، تأملني بعين كليلة دامعة، ثم قال بفم خال من الأسنان: أنت تشبه أبي.
أخرج من إحدى جيوبه صورة، أبيض في أسود، مهترئه، مدها لي بيد مرتعشة و هو يقول: إنها صورته و هو صغير، عندما كان في مثل عمرك، قرر أن يجوب كل البلاد و يتعرف على كل الثقافات، بحثا عن الانتماء. كانت الغربة تسكنه، و كان مأزق حياته المسافات التي كان يطمح أن يطويها، أن يسكُنها كلها مجتمعة، أن تسكُنه، و أن يكون هو كل الأماكن التي أجهدته؛ فقرر و هو في الخمسين من عمره ـ عندما حن جسده إلى مكان يحتويه ـ أن يدخر بعض المال ليقتني منزلاً يكون به حديقة صغيرة في الأمام، و خلف المبنى مساحة تكفي أن تكون قبراً- و قد تحققله له ما أراد – و أضحى يقضي فيه كل يوم، معظم الساعات، كان قد تزوج من أمي و أنجبني...
سؤالي الوحيد: أين أبي؟!
فتبتلع صمتها، الذي لا تلفظه إلا بسرد حكايتها الوحيدة عن أبي، الذي اختفى من حياتنا، و هو في السبعين، حينئذ انتقلت أمي لتسكن القبر تقريباً، فلم تكن تتركه إلا و هي نائمة، حينها كنت أحملها إلى فراشها بقلب منفطر.
و... (صمت لاهثاً) في الوقت الذي تحجرت الدموع في عينيه.
أمسكت الصورة، حدقت فيها؛ لم أجد غير بضع حروف متناثرة، في ورقة صغيرة مهترئة!.