المركزالعاشر مكرر
بريق سرابه
بقلم/ تمام سليمان الحياري: الأردن
كان عليَّ في هذا الصباح البارد أن أهاتفه؛ علّ دفء صوته يسري في
عظامي، التي نخرها صقيع أيام، لطالما انتظرته فيها.
لكن هاتفه كان مغلقا، عند وصوله للعمل؛ حاولت ثانية، لكنه ما زال
مغلقا؛ أخذ القلق ينتابني، و يبعث فيَّ الخوف جراء وحدتي في تلك الليلة الباهتة.
في اليوم التالي؛ اتشحت بلونه المفضل، سلكت الطريق الذي يرتاده كل
يوم، لعلّي أحظى بلقياه؛ انتظرته طويلا، ثم
تابعت سيري في الاتجاه نفسه، الأمل يدفعني لرؤيته، و عندما وصلت إلى نهاية
الطريق وجدتني منهكة، و قد لفحت الريح وجهي، و سكنت أطرافي؛ العطش الشديد، الجوع،
و البرد؛ غدوا رفقائي، أجبروني على التوقف أمام دكان؛ دخلتها، أخرجت ما في جيبي من
نقود، ثمنا لقارورة ماء، و شيء أسد به
جوعي؛ ذهل صاحب الدكان، نطر إلي متجهما، ردّ إليَّ نقودي؛ أخرجت مبلغا آخر،
ازداد وجهه تجهما:
-- تفحصيها جيدا إنها غير متداولة.
حسبت نفسي من أصحاب الكهف، أخرجت مرآتي لأرى تقاسيم وجهي، تحسست شعري،
ملابسي، أهي أيضا غدت غير متداولة؟!.
يبدو أنني أفنيت عمري لهثا وراء بريق سرابه، حتى إذا جئته لم أجد شيئا؛ فأضعته و أضعت عمري في عنفوان شبابه.
خرجت من الدكان، هائمة على وجهي علّي ألحق
بما تبقى من الزمن؛ فوجدتني أسلك الطريق ذاته.