مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

المركزالسابع (مارس 2016): نيرونية العشق

المركزالسابع
نيرونية العشق
بقلم/ عدنان الهمص: كاتب مغربي
   الرجل الذي لا يحب المثلثات المقلوبة على الطاولة، في مرمى يده علبة الجبنة، تستحثه على فض خاتمها الأحمر، يفصله فقط خيط رفيع ليسكت جوعا ينهش أحشاءه  منذ أيام، قرص الخبز هناك أتعبه الانتظار/ الاحتضار، البرودة دبت إليه من حيث لا يدري، و الصنبور لم يكفّ عن مناداته بطرق حثيث على جبهة المقلاة.
 لا بد أنها الآن بين يديه تتأوه من  فرط ال...لا يهم، لن أفكر مطلقا في الأمر مرة أخرى.
   الغرفة كئيبة و الأثاث الزّهري السابح في ظلمتها زاد من تناقض المكان، الغرف الأخرى كلها خالية و شبح الأرق المتحفز يحوم في الأرجاء، على يساره  منضدة بمرآة واطئة كانت في الماضي مرتعا لزجاجات عطرها، لحُمر الشّفاه الباريسية و مواد التجميل المنتقاة بعناية، هي الآن تقبع دون حياة، يغطي وجهها زجاج أبيض مغبرّ... قريبا لن يتبقّى من ذكراها شيء، قريبا كل الأثاث ستبتلعه محفظة النقود. لا يستطيع تحريك شيء من مكانه.
   ينظر أمامه إلى شاشة تلفاز مطفأة، جسدها الرمادي يحتوي تفاصيلها، بالكاد حرّك صورتها (الإيروتيكية) ـ المثيرة للشهوة الجنسية ـ من مكانها فتجمدت الدماء في عروقه؛ يتوسط الشاشة خط عمودي حادَ عن إطاره بسنتمترات، كل أشيائها تترك أثرا، سيعيش" بَالْتَزَار" من جديد كل تفاصيل نكبته؛ لا محظيات لي هنا و لا خِصيان، لا نينوى في هذه المدينة، لا و لا "سَرْدَنَبَّالْ" كي يعتليَ الرّكام و يُحيل هباءَ كلّ هذا الهُراء.
   زمن مضى، و الحالة لم تتغير، لا أستطيع مدّ يدي لكسرة خبز يمتح الصباح صقيعه من برودتها... اليوم أيضا سأذهب إلى العمل ببطن طاوية، الناس في الخارج يرمقونني شزَرا و كأن الكلّ أعدائي، و كأنّهم جميعا يعرفون تفاصيل ما وقع، كنّا وحدَنا في الغرفة، أنا و... أنا فقط، ما زلت أشُم رائحتها أينَما ذهبت، كذبت إن أنا قلتُ أحبها، أحبّ نفسي فحسب، لكن رائحتها زكية، زكية لا أقل و لا أكثر.
   يومُ خصْمٍ آخر؛ ليذهبِ المدير إلى الجحيم، أو ليأتِ الجحيم إليه؛ المَحرقة قائمة منذ الأزل "أوشفيتز" كذبة كبرى، لا يضاهيها في الصّحة سوى وهْم المقهورين.
كل نوافذ البيت موصدة،  إلا واحدةَ أُشرعها ليلا، كي ترى من شرفة عوَرها عَمَى العالم السّفلي.
   سننام دون عشاء، القرقرة لا تتوقف، الصنبور في آخرالرواق يناديني، و الخاتم لم يُفض، لكل شيء تاريخ صلاحية، لا حروف على ظهر العلبة؛ فقط أرقامٌ رسالتُها واضحة، لم تعد صالحة للاستهلاك الآدمي، كسرة الخبز اخضرّ سطحها، و أنا كلما وقفت سقط سروالي و كشف عن حُمرة سوءتي، سأبقى جالسا إذن... الساعة في معصمي تؤلمني؛ لن تلبسني بعد اليوم، لا أحتاج لفك إبزيمها، كما لم أحتج لفك أشياء أخرى من قبلُ، الخاتم في بنصري لا أدري أين و متى سقط، لم أحتجه يوما هو الآخر، حتى أني لبسته بعد أن رحلت... تصلني أصوات الخارج بوضوح الآن؛ كبّة زعيق لا أستطيع فكّ شفراتها المتداخلة، كما هي عادتي، المهم أنني ما زلت حيا؛ أسمع، أشمّ،  أرى، لا آكل، لا أدخن، لا أفكّ شيئا، لا أفضّ شيئا، لا أحب شيئا، لا أجترح مُعجزات.
   لا بد أنها الآن تتبختر بكامل عريها أمامه، تلبس فستانا شفافا من ساتان أبيضَ، تُوزّع الضحكات عليه، على الأثاث، و على الصورة المعلقة على حائط الغرفة... الفرح مرض مُعدٍ؛ أضحك مِلْءَ يأسي: ستلد البَغِيُّ يوما، و سيتدلى ثدياها مثل إفريقية، سيخونها زوجها و سأشتري قدّاحة...

   هي الآن بين يديّ، تطلق بين الحين و الحين شرارة شهوتها اللاهبة، تحرق عين الليل... لا أحب اللحم إلا... مشويـــا.