المشاركة رقم 34
امرأتان تأكل إحداهما (الآيس كِرِيم)
بقلم/ عمرو عادل الرديني ـ مصر
تنظرُ إليها بشغفٍ كبير، بفضولٍ، و انتظارٍ، إعجاب أخشَى أنْ يصل بك إلى الحُب!.
تستيقظ باكرًا خصِّيصًا لأجلها، تقفُ في شرفتِك بالطابقِ الثاني صيفًا، و شتاء، لا يفصلك عن لمسِها سوَى أمتار قليلة، و لا يمنعك عن رؤيتها إلا يوم الجمعة، يوم إجازتها!.
لا تجعل شيئًا - مَهما كان- يُثنيك عن مشاهدتها، و لا تتأخر هيَّ عن موعدها؛ لا تستجب أنت ساعتها لرنينِ هاتفٍ، أو عطشٍ، أو جُوع، و على استعدادٍ لأن تتغوَّط في سروالِك علىَ أنْ تفوتك «طلعتها البهيَّة»!.
لا تشغل بالك أيضًا بصديقتها التي تلازمها كما حقيبة يدها السوداء، المُمزَّقة أطرافها، لا تكاد تتذكَّر حتى ملامحها، أمَّا هي فتستطيع رسمك مِن الذاكرة، حاسدة صديقتها علىَ غرامِك بها!.
في غضونِ الخامسة صباحُا تشرق الشمس، و في السابعةِ والنصف - دون تقديم أو تأخير- تسطع شمسك أنت، و يوم العطلة هو يوم مظلم باستمرار، لا شروق به و إنْ كان الشهر (يونيو)!.
كل ما ترجُوه ابتسامة مِن شفتيها، نظرة من عينيها، التفاتة لتلويحاتك الصبيانية، أو حتَّى انحناءة لالتقاطِ خطاباتك الغرامية، و عندما يطيح الافتنان بعقلك تحلم بلعقةٍ مِن (الآيس كِريم) الذي يصاحبها يوميًا، و كأنه إفطارها الأثير!.
هي وحدها دُون زميلتها تشتريه كلّ صباح، طوال العام، إلا في شهرِ (رمضان)، تكاد تجزم أنها تفعل بعد الغروب، لكن هل هذا ما جعلك تنساق إليها؟ رغم أنَّ زميلتها أجمل منها!.
تثيرك لعقاتها الأنثوية لـ(الآيس كِريم)، عندما تشطح شهوتك؛ تقسم بأنَّها تشتريه قاصدة إثارتك، لكن هل تعنيها أنت بالأساس؟!.
إنَّك لا ترى إلا ما ظهر منها فقط، فمَا علمك بما بَطن؟.
إنها ترتدي غطاء الرأس هذا علىَ شعرٍ ضعيف، متآكلة أطرافه، يتساقط باستمرارٍ كأوراقِ شجرة خريفية، و ذلك لعدم وجُود المال و الوقت، اللازمان للاعتناءِ به، علاوة علىَ تغطيته أكثر مِن نصفِ يومها!.
تلك النظَّارة الشمسية، التي ارتدتها اليوم علىَ غيرِ العادة، و أبهرتك برفيعِ ذوقها؛ ثمنها لا يتعدَّى العشرة جنيهات، و تحجب بها كدمة زرقاء حول عينها اليُسرى، نتيجة شجار عنيف دار ليلة أمس مع زوجها العاطل، لرغبته في اعتلاءها رغم حيضها!.
هل أُحدِّثك أيضًا عن أسنانها التي تراها لامعة تسرُّ الناظرين، بينما ينخُر السُوس بداخلها، و لا تملك علاجها، و تلك (البلُوزة) الحمراء التي لم تغيِّرها منذ ثلاثة أعوام، و لم تلحظ أنت ذلك، لأنَّك تهتم بما وراءها فقط؛ ورائها قميص باهت مُتهدِّل، بحمَّالةٍ واحدة سليمة، و ثقوبٍ كثيرة!.
أمَّا حقيبتها التي طالما فكَّرت فيما تحويه مِن أدواتِ تجميلٍ و خلافه، فلا يُوجد بها سوَى فوطة صحية، و منديلٍ مِن القماشِ، و مُفتاح الحجرة التي تقطنها ببيتِ عائلة الزوج، علاوة علىَ بضعةِ قروشٍ زهيدة!.
يدها خاوية من أيِّ دبلةٍ، أو خاتم، و لا أُريد إخبارك بما يختبئ أسفل تنورتها السوداء، بَيد أنِّي أحذرك مِن تلك الساق التي يكسُوها الشعر، لأنَّها لا تملك رفاهية إزالته، ناهيك عن حذائها المُنتهي عمره افتراضيًا منذ عامين!.
رغم كُلّ ذلك تحرص علىَ تناول الـ(آيس كريم) كُلّ صباح، أثناء سيرها بصحبةِ زميلتها إلىَ عملها في مصنعِ الدُخَّان و المعسِّل الشهير بمدينتك؛ رُبَّما لأنَّه الشيء الوحيد الباقي لها مِن زمنِ طفولتها، و رغم ذلك كله؛ مازلت تقف في الأعلى، تُحدِّق في مُؤخِّرتِها الرِجْرَاجَة!.