المشاركة رقم 10
مجرد بشر
بقلم/ أحمد وفدي ـ مصر
" أَشْهَدُ أَنّ لَّا إِلَٰهَ إِلَّإ الله وحده لا شريك له، و أَشْهَد أن محمدا عبده و رسوله، و اهدني و ارحمني, إنك أنت الغفُور العفوْ الرحيم"
قالها هامساً بوجهِ مُتجهم، و أعيُن تَكاد تلفُظ ما ِبها مِن دمُوع, دَمَسَ رأسه في وِسَادته حَتى باغتهُ خَدَر النوْم، و راح في سباته كسائِر الأنام.
مَساء اليوم التالي...
هَمس في أُذُنيّها مُداعباً إيَّاها بكلامِه المَعسُول، بَعد ليّلة حميميّة قَضَاها معها بالفِراش, وَضَعَ في حَقيِبتها بعض النُقود، مُقابل ما قامت به مِن مَهَام وظيفيّة, و أخيراً تَرك على وِجنَتها قُبلة حَارة قبل أن يودعها على الباب، و يتابعها و هي تتمايل في مشيتها على سُلم مَنزِله الهَرِم حتى اختفت؛ أغلق الباب، تَرَنح عائِداً إلى غُرفته، التي لَم يُغادِرها بَعد عِطر فتاته النفاذ, حَمل في يَده زُجاجة خمر بيّضاء تَحمل اسم "فودكا" و راح يَتَجرع ما بقي مِنها، دوْن أن يَتَكبد عَناء إفراغها في كأسه، الذي طُبع عليه أحمر شفاه حسناؤه, ابتلع واحدة من أقراصه البيّضاء التي تُكمل ما بدأهُ الخمر في جنّ عقله عن إدراك واقعه, ثم عاود الكرة فتناول قُرصَا آخر, و ظَلّ قابِعاً على فِراشه، حتى ضَرَبَ رأسه الدُوَار، و ثقلت جُفونه، و طالبه جسده الهزيل بالراحة، مُعلِناً حالة الطوارئ، التي تستدعي النوم أو الإغماء.
و بيّنما كانت رأسه على الوِسادة، و أعيّنه تُشاهد سقف غُرفته يَرقُص، و حوائِطها تَدُور مِن حوْله, ازدادت مُعاناته الجسدية التي حالت بيّنه و بيّن النوْم، قلبه يُطلق َنَواقيس الخَطَر، مُصرحاً بخطر قادم. يَبدو جليّاً أن قلبه لم يعُد يحتمل سموم المُخدرات, ظل يتساءل هَل حَانت ساعته؟! هل هي تلك اللحظة التي ستُغادره روْحه صُعُوداً إلى بارئها؟! هل هو الموت!.
يا إلهي.. هل سأموت و أُبعث علي هذا الحال! زاده رُعب الفكرة ألماً و مرضاً، و تسارعت دقات قلبه، كأنها قنبلة موقوتة على وشك الانفجار... خملت أطرافه تماماً، و زادته رعشتُها سوءً و اضطراباً. و رغم سيّل العَرَق على جِلده، إلا أنه أخذ يرتعش، كشخص عار ممدد على بُحيّرة مُتجمدة؛ دمعت عيّناه و قال مغمغماً "يا إلهي! إنه الموت حقاً!" حاول النهوض ليُسعف ذاته بأي وسيلة، إلا أنه لم يقو علي القيام, خارت قُواه حتى استسلم أخيراً لطعنات الألم و المُعاناة، التي كانت ملذات منذ قليل, و دعي ربه:
"يا رب لا تتوفني علي هذه الحال؛ أنا عبدك الضال؛ انجدني اليوْم و أتوب غداً، و الله لَن أعُود إلى هذا الحال مُجدداً... يااارب!"
قالها و انهالت الُدموع من عينيّه في سلام, حتى استشعر أن الموت قادم, فأطلق الشهادتين باستيحاء - أثر رائحة الكُحول التي تغادر فمه كلما زفر- و بكل ما تبقى لهُ من قوة - لعلها تكون كافية ليغفر له ربه و يتوفاه و هو راضٍ عنه.
" أَشْهَدُ أَنّ لَّا إِلَٰهَ إِلَّإ الله وحده لا شريك له، و أَشْهَد أن محمدا عبده و رسوله، و اهدني و ارحمني, إنك أنت الغفُور العفوْ الرحيم".
صَباح اليوم التالي...
ارتفع صَخب رنين هاتفه الجوْال، حَتى نجح في انتشاله من سباته العميق, اقتفى بدوره صوت نداء جواله حتى لامسته أطراف أنامله، أمسك به، و أجاب بأعين شبه مُغلقة قائلاً: "آلو... كيف حالكِ حبيبتي، تودين القدوم الليلة؟... حسناً، إنني في انتظاركِ..."
صمت هنيهة، نظر جواره كأنه يسترجع شيئاً من ذاكرته؛ يبدو أنه استحضره أخيراً؛ فقاطعها بخجل قائلاً: "اعذريني حبيبتي، احضري معكِ زجاجة خمر من فضلك؛ فقد نفد ما لديّ!".