المشاركة رقم 57
جَبَانَ و فَشًّارْ
بقلم/ د.إسماعيل يوسف الكايد العواملة
حطابٌ اسمه شجاع يسكن و زوجته بجوار قرية، حولها غابات كثيفة من أشجار السنديان و البطم و اللزاب (نوع من انواع الصنوبريات) و القيقب. يبعد بيته عن القرية سبعة كيلومترات... زوجته توقظه كل صباح للذهاب إلى الغابة ليحتطب منها، راكباً حماره، مرافقاً بقية الحطابين لغاية صناعة الفحم للاستخدام المنزلي و للتجارة.
يعود شجاع إلى بيته كل مساء محملاً على ظهر حماره ما احتطبه في ذلك اليوم. و تَعوّد كل يوم أن يجلب معه عصا مستقيمة بطول متر و ذات أقطار مختلفة, يودعها عند زوجته، و كلما أودع عصا يقول لها: هذه العصا لقتال رجل أو رجلين أو حتى لقتال عشرة رجال؛ كانت دائماً تقول له: لا داعي لهذه العصي, و لا داعي للقتال مع الرجال، الأنسب لك أن تضمها إلى غيرها من الحطب ليكون من السهل علينا إدخالها في الموقد. لكنه كان يصر على أن تبقى هذه العصي على طولها ليوم المنازلة مع الرجال إذا ما اقتضى الأمر؛ فتجمع لدى زوجته ما يزيد عن خمسة عشر عصا.
في يوم من الايام أيقظته مبكراً و ليس كعادته و قالت له: لا داعي اليوم للذهاب إلى الغابة للاحتطاب بل عليك أن تذهب إلى القريه لطحن القمح في (المطحنة) بابور الطحين؛ فقد أوشك المخزون لدينا على النفاد, بالاضافه إلى حاجتنا من الحلاوة و السكر و الزيت و بعض الطلبات.
وافق شجاع على الذهاب إلى القرية شريطة أن تعطيه إحدى العصي من التي يقاتل بها عشرة رجال, إلا أنها قالت له: لا داعي لذلك فالقرية ليست بعيدة جداً و يمكنك العودة قبل المساء فالطريق آمنه, و لم نسمع منذ زمن طويل بوجود قطاع طرق, كما أن العصا ثقيلة الحمل و لا يتحمل الحمار ضربه بها، خاصة أنه سيحمل ثقل كيس القمح, و لكن بدلاً منها سأعطيك عصا (أم ثلاثة رجال). و بعد حوار و مجادلة مع زوجها قَبِل الزوج على مَضَضٍ و أخذ العصا البديلة... تم تحميل ظهر الحمار بكيس القمح و توثيقه بالحبل كما يجب, و توجه صوب المطحنة.
الزوجة كانت على دراية بموعد وصوله إلى المطحنة و الرجوع إلى البيت تبعاً لمعرفتها بسرعة الحمار, و قررت متابعة زوجها عن بعد و هي ملثمة بالكوفية الحمراء و العقال و بلباس رجل, و انتظرت عودته فوق صخرة يمكنها من فوقها رؤية المطحنة التي تبعد عن القرية بحدود كيلو متر واحد و في مكان كثيف الأشجار يحيط بطريق العودة الوحيد.
أنجز شجاع مهمته بطحن القمح و شراء المطلوب من الدكان الذي يجاور المطحنة و عاد من حيث أتى, و لدى مروره من جانب الصخرة المرابطة عندها زوجته, قامت الزوجة المتلثّمة بإلقاء الحجارة عليه, و طلبت منه ترك الحمار و حمولته في مكانها و إلا قتلته!؛ فانصاع شجاع إلى أمر (الرجل الملثم) و ولى راكضاً صوب المطحنة و القرية .
رجعت الزوجة و الحمار مسرعة إلى البيت و أخفت الحمار و حمولته, أما زوجها فوصل إلى القرية مستغثياً برجالها لنجدته من قطاع الطرق.
و لما كان رجال القرية يعرفون جبنهُ وقالوا له: لعل الحمار هرب منك صوب البيت و هذا العدد من قطاع الطرق لم نسمع به منذ زمن بعيد و لكن لا عليك! سنعيدك إلى البيت سالماً قبل المساء و سنبحث عن الحمار أو نجده في بيتك.
رافقه ثلاثة من الرجال و أعادوه قبل المساء إلى بيته؛ قامت الزوجة باستقبال الرجال و القيام بواجبهم من الضيافة دون أن تسأل عن الحمار و لم يتكلم أحد منهم بما فيه زوجها عنه... غادر الرجال الثلاثة عائدين إلى القرية، بعدئذ قامت الزوجة و سألت زوجها: ماذا يريد الرجال منك, و أين الحمار و حمولته؟
فأجابها شجاع: ألم أقل لك أن تعطيني العصا أم عشرة رجال, و لو كانت معي لما فقدت الحمار و الطحين و متطلباتك الآخرى, لقد هجم علي قطاع الطرق بأكثر من عشرة رجال و هددوني بالقتل و كانوا ملثمين، رموني بالحجارة؛ عدت إلى القرية و المطحنة راكضاً طالباً نجدتي.
فقالت الزوجة: على رسلك! لقد كنت أنا الملثمة و رميتك بالحجارة و هددتك بالقتل و أن تدع الحمار بمحله, و رأيتك عائداً مسرعاً إلى القرية كما أن الحمار هناك وراء تلك الشجرات, أما الطحين و متطلبات البيت فقد أخفيتها في المغارة.
قال لها زوجها: (بالله عليك ما أنا ركيض كالغزال)؛ ضحكا معاً و أخلدا إلى النوم بعد عشاء ساخن .
هذه القصة حقيقية و على بساطتها في أريافنا تعكس صورة المحبة بين الزوجين، و مساعدة الرجال له، دون الإشارة إلى جبنه و فشره.