مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

المشاركة رقم 28 (مارس 2016): البشرى

المشاركة رقم 28
البشرى
بقلم/  نادية احمد محمد محمود ـ مصر
ارتسمت ابتسامة باردة على وجه أم سمير، و هي تنطق له بغير الحقيقة:
ـ لا شيء هناك.
التصقت نظراته بمسام وجهها، باحثاً عما وراء تلك البسمة، التي لفحته برودتها، و لم يرها أبداً طول حياتها معه؛ أخذت نظراته تتحسس الوجه، تنصت إلى خفق المسام، تصب قوى مغناطيسية غير منظورة في بؤبؤ عينيها، باحثة وراء كلماتها، عن حقيقة يدرك جيداً أنها تخفيها عنه، لائذاً  طوال الوقت بصمت مغلف ببسمة أقرب ما تكون إلى الخيال، أو هي ظل بسمة تكاد تقترب من العبوس؛ عادت تُقسم له أنه لا شيء تخفيه...
كانت رقدته  في حجرته تلك، قد طالت إلى درجة الاعتياد، صارت تلك العبارة الممقوتة واقعاً لاخلاف عليه: (أبو سمير مريض، لا يستطيع مغادرة الفراش)، و سمير ـ ولده  الأكبر ـ يقوم نيابة عنه بتعهد تجارته، و رعاية أمه و أخوته، و في ذات الوقت يتابع علاجه بنفسه، فالأطباء لا ينقطعون عن زيارته؛ لمحاولة دحر مرضه، غير أنه يؤكد لسمير عن يقين: أنه لا فائدة من تلك المحاولات الفاشلة، و المال المستنزف بلا فائدة؛ إلا أن سمير كان ـ و على مدى سنوات ـ يصر على عدم التواني في الأخذ بأسباب العلاج...
صارت أم سمير تخشى لحظة الولوج من الباب لرؤية زوجها، تحاذر من لقاء عينيه، من توجس نظراته، تشعر أنها أمام اختبار لا قبل لها به، مضطرة إلى ارتداء قناع طالما رفضته، مخفية في صدرها ألماً لا طاقة لها به.
تقول لابنتها و هي تقص عليها ما جرى لها معه مساء اليوم: أنه كان يقظ العقل، واعياً لما حوله، عيناه كعادتهما صافيتان كنهار ناصع البياض، و وجهه متورد لولا صرامة الحزن و شدته التي تنطق بها ملامحه، لقد تساءل عن سر تقاعس سمير عن زيارته، ظل يرسل نظراته باحثة و بإصرار عنيد، داخل عينها، و تعبيرات وجهها، مدققاً في شيء يشي له بما هناك؛ تروغ منه متوارية خلف القناع الذي اضطرت إليه، في محاولة لإخفاء الأمر عنه، كي لا يتضاعف الجرح.
تساءلت بينها و بين نفسها: كيف تماسكت إلى هذا الحد؟!، كيف استطاعت أن تتقن التعامل بوجهين بهذه الكفاءة؟!، و هي التي طالما رفضت هذا الأسلوب، و رفضت كل من حاول التعامل به معها...
لقد أخبرته أن سمير بخير، و أنه ما تقاعس عنه إلا لظروف سفر طارئ، أجبره على الرحيل، و أنه لم ينس أن يوصيها و أخوته عليه، فهو لا ينسى أباه ما دام حيا؛ تفجر في صدرها بركان أنين، و أخذتها غصة، و هى تنطق بهذه الكلمات، خسية الانهيار أمامه؛ فتحركت مسرعة، فارة بأحظانها، هاربة من ملاحقة عينيه، و هو يلحظها صامتا، حتى إذا اقتربت من الباب؛ ناداها: أم سمير!.
شعرت بجسدها للحظة مصلوباً على حافة بركان، التفتت إليه و وجهها صفحة مكتوب على سطورها كل ما حاولت إخفاءه طوال الأيام السبعة الماضية، حدقت عيناه طويلاً في تغضنات وجهها و ذبول نظرتها و انطفاء بريقها، شردت نظراته بعيداً كأنما ينظر إلى عالم لا تراه، بدأ يحدثها عن حلم رآه منذ ليالٍ، قص عليها بكل دقة تفاصيل الحادثة التي أودت بحياة سمي ،  ارتجفت روحها بين أضلعها، اجتاحها إعصار هائل حطم عظامها تحطيما، لم تستطع الوقوف، انهارت مكانها جاحظة العينين، و فيضان الدموع يكسح لحظات الصمود و التصبر التي سبقته، ممزقاً كل الأقنعة التي حاولت التواري خلفها، و ارتفع نشيج عاتٍ هز بدنها، لولا أن تدراكت نفسها لخاطرة فاجأتها في موقفها العصيب، خاطرة همست لها: أنه يحكى حلماً، يتحدث عن كابوس، لذا عليها أن تعاود ارتداء قناعهاالمقيت،عليها الصمود، لأنها تعرفه، لن يتحمل صهد الحقيقة، سيحرقه إيلامها؛ مسحت عينيها  وعادت اليه :
- أرعبتنى ياحاج!.
لم ينطق ببنت شفة، اكتفى بمواصلة نظراته المتفحصة المدققة إلى أن  ألقت عليه تحية المساء و أغلقت خلفها الباب و مضت...
............
أيقظت أم سمير ابنتها قرب الفجر، كان وجهها باسماً و عيناها متألقتا النظرات و هى تهمس بما لديها،  قالت: أنها قامت ليلاً إلى زوجها لتطمئن عليه، كان  البشر نوراً يملأ وجهه، تلقاها هاشاً، أجلسها بجانبه، قال: أن سمير زاره هذه الليلة، سلم عليه، طمأنه على نفسه، أوصاه أن يبلغها سلامه و محبته... عادت الدموع تتبارى في الوثوب إلى جفنيها، نهرها برفق هامساً: "إنها بشرى؛ سمير بخير!.