مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

المشاركة رقم 27 (مارس 2016): سبيل وسلسبيل

المشاركة رقم 27
سبيل وسلسبيل
بقلم/ غادة هيكل ـ مصر
مياه الزير باردة برغم حر الصيف الشديد، و هى تقبع تحت عشة سقفها من الجريد الناشف، الذي انسدل خوصه حتى لامس الأرض، السيدة التي وهبته للطريق (سبيلا) هي امرأة عقيم، وضعته كي يشرب منه الشارد و الوارد، و كتبت على حمالته ـ التي بُنيت من الطوب، و دُهنت ببعض الطين حتى يبس، و لونتها ببعض الجير الأبيض ـ عبارة: "ندعوكم لقراءة الفاتحة لصاحبة هذا السبيل، بنية الحمل و الولادة".
وقف أمامها صبى صغير متشرد، قرأها بتهج، و قال متهكما: لو تركت عنوانها لذهبت إليها و قلت لها: أنا الولد الذي أرسله لك الله، دون عناء الحمل و الولادة. ثم انصرف يطرق الأبواب طالبا صدقة تشبع جوعه.
ثم مر رجل على السبيل، اغترف منه شربة ماء، شعر بالارتواء، جلس بجوار الزير؛ يستمد من رطوبتة ما يخفف عنه لهيب الحر، و عندما قرأ المكتوب؛ انتشى، شرد للحظات، ثم همس لنفسه: لو كان زوجها فحلا؛ لروى أرضها بالأطفال، غاب في أفكاره، إلى أن أخذته سنة من نوم؛ فابتلت ثيابه بالماء المتساقط من الزير، عندما استيقظ  كان الماء قد صنع بركة صغيرة من الوحل على الأرض؛ فنبتت حشيشة خضراء، نظر إليها و مضى، و على وجهه ابتسامة رضا.
 ثم مرت امرأة تحمل طفلا و تجّر اثنين، تنهر الكبير ليتقدم، و تمسك بيد الصغير حتى لا يتأخر، عندما رأت الزير، كأنه طوق النجاة الذي أنقذها و أطفالها من الموت عطشا؛ فكم بكى الصغار في هذا الحر رغبة في شربة ماء، و الطريق طويل من بيتها، حتى بيت أهلها، الذى تقصده غاضبة من زوجها، جلست المرأة تحت العشه، و أخذت من ماء الزير تسقي أولادها، و تروي عطشها، و تمسح بقايا الدمع من على وجهها، انتعشت ببرودة الماء و صمت الأطفال، و نسمة الهواء التى لفحت وجهها، فذكرتها بأيامها الخوالي فى بيت زوجها، و السعادة التي كانت تملأها،  ثم نظرت إلى أطفالها، الذين كبلوها بقيودهم و طلباتهم و جعلوا من أيامها جحيما مع زوجها، فلا هي تستطيع إرضاءه، و لا هو يتحمل ما آلت إليه، ثم لمحت ما دُوّن على حاملة الزير، و خطر لها أنه لو كان هناك عنوان لذهبت إلى تلك المرأة، و وهبت لها أحد أطفالها، هبة من الله دون عناء، لعلها و زوجها يرضيان؛ فتعود لهما السعادة، دون متاعب الحمل أو الولادة!.
بعد أن استراحت قليلا، و شعرت بقوتها تعود إليها؛ رأت ابتسامة أطفالها على وجوههم كما الأقمار التي يشع ضوؤها نورا  في وضح النهار؛ ضمتهم لحضنها و شعرت بحركة غريبة في بطنها، تنقبض و تنبسط فرحة بتلك الضمة، و كأنهم ما زالوا داخل رحمها، فخطر على بالها سؤال، توجهت به إلى السماء: لماذا جعلتنى أرنبة ألد كل هؤلاء الأطفال، بينما حرمتها هي؟ّ!
انتبهت إلى ضحكات أطفالها، و أدركت الآن فقط لماذا سُميت (سلسبيل).