المشاركة رقم 49
قبر
الخيبات
بقلم/
عبد السلام الإبراهيم ـ سوريا
آهٍ يا مريم، كم أحسدك على إيمانك القوي و بكل
بساطة، و ها أنتِ تنامين على سريركِ بكل راحةٍ و سكينة، أتساءل: لماذا خلقني الله
متمرداً، لا استسلم حتى لنفسي؟... يأكلني الصمتُ في حضرة الناس حتى لا أزعج أحد، و
تأكلني الأسئلةُ الثرثارة، العصيّةُ، المتمردةُ في حضرةِ ذاتي:
أصدقيني
القول يامريم هل هذا نوعٌ من الجنون؟
نعم
لا بدّ أنه الجنون...
هل
صليتِ الفجرَ يامريم؟... أنا لم أصليه.
لماذا
لا تردين يا امرأة؟
أعلمُ
أنكِ غاضبةٌ و مرضتِ منذ أن سافرَ الأولادُ، و لكن ما الحل، لم يكنْ أمامي خيارٌ
يا امرأة.
إمّا
أن اُلقيهم في أتونِ الحرب أو أجعلهم لاجئين، لستُ خائفاً من الحرب يامريم ـ و لكن
ليس أيُّ حرب ـ أنتِ تعلمين ذهبتُ إلى حرب تشرين بعد زواجنا بثلاثة أشهر، و عدتُ
جريحاً.
ما
أجمل تلك الرصاصة! اخترقتْ كتفي و لحظتها لم أشعرْ بأي ألم، انقضضتُ على المربض
الإسرائيلي و أنزلتُ علمهم و مزقته.
هههه...
أعلمُ أنكِ ستقولين: صدّعتنا ببطولاتك، لكن، و الله يا مريم لم أشعرْ بأني رجلٌ
إلا تلك اللحظة، و ليتها اقتربت قليلاً من قلبي لأموت و أنا رجل و لا أعود لحياةِ
الرجل المخصي.
آهٍ
يا مريم، ثلاثون عام و أنا كأمِ العروس، أرمي بيديّ و قدميّ في الهواء مهرولاً إلى
المدرسة، أنحتُ في عقولِ الأولاد أناشيداً عن فلسطين، عن الوطن، عن الشّعراء
الفرسان، عن الأمجاد، والنتيجة؛ خيّبةٌ إثّر خيبة، لا فلسطين و لا وطن و لا أبناء
و لا هم يحزنون!
حتى
أنتِ يامريم ـ خيبتي الكبرى ـ ليتكِ ذهبتِ مثلهم بصمتٍ و سلام، و لكن هيهات ليس من
عادتكِ أن تفعلي شيئاً بصمت و أنتِ الثرثارة النّكدة.
هيا
انهضي يا امرأة؛ فضحتني، سيسمعُ صوتي كل من في المشفى.
هل
تُعاقبيني بموتكِ؟! لأحفر قبركِ بيديّ.