مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

المشاركة رقم 49 (مارس2016): قبر الخيبات

المشاركة رقم 49
قبر الخيبات
بقلم/ عبد السلام الإبراهيم ـ سوريا
   آهٍ يا مريم، كم أحسدك على إيمانك القوي و بكل بساطة، و ها أنتِ تنامين على سريركِ بكل راحةٍ و سكينة، أتساءل: لماذا خلقني الله متمرداً، لا استسلم حتى لنفسي؟... يأكلني الصمتُ في حضرة الناس حتى لا أزعج أحد، و تأكلني الأسئلةُ الثرثارة، العصيّةُ، المتمردةُ في حضرةِ ذاتي:
أصدقيني القول يامريم هل هذا نوعٌ من الجنون؟
نعم لا بدّ أنه الجنون...
هل صليتِ الفجرَ يامريم؟... أنا لم أصليه.
لماذا لا تردين يا امرأة؟
أعلمُ أنكِ غاضبةٌ و مرضتِ منذ أن سافرَ الأولادُ، و لكن ما الحل، لم يكنْ أمامي خيارٌ يا امرأة.
إمّا أن اُلقيهم في أتونِ الحرب أو أجعلهم لاجئين، لستُ خائفاً من الحرب يامريم ـ و لكن ليس أيُّ حرب ـ أنتِ تعلمين ذهبتُ إلى حرب تشرين بعد زواجنا بثلاثة أشهر، و عدتُ جريحاً.
ما أجمل تلك الرصاصة! اخترقتْ كتفي و لحظتها لم أشعرْ بأي ألم، انقضضتُ على المربض الإسرائيلي و أنزلتُ علمهم و مزقته.
هههه... أعلمُ أنكِ ستقولين: صدّعتنا ببطولاتك، لكن، و الله يا مريم لم أشعرْ بأني رجلٌ إلا تلك اللحظة، و ليتها اقتربت قليلاً من قلبي لأموت و أنا رجل و لا أعود لحياةِ الرجل المخصي.
آهٍ يا مريم، ثلاثون عام و أنا كأمِ العروس، أرمي بيديّ و قدميّ في الهواء مهرولاً إلى المدرسة، أنحتُ في عقولِ الأولاد أناشيداً عن فلسطين، عن الوطن، عن الشّعراء الفرسان، عن الأمجاد، والنتيجة؛ خيّبةٌ إثّر خيبة، لا فلسطين و لا وطن و لا أبناء و لا هم يحزنون!
حتى أنتِ يامريم ـ خيبتي الكبرى ـ ليتكِ ذهبتِ مثلهم بصمتٍ و سلام، و لكن هيهات ليس من عادتكِ أن تفعلي شيئاً بصمت و أنتِ الثرثارة النّكدة.
هيا انهضي يا امرأة؛ فضحتني، سيسمعُ صوتي كل من في المشفى.
هل تُعاقبيني بموتكِ؟!  لأحفر قبركِ بيديّ.
آهٍ يا مريم... كم سيكونُ القبرُ كبيراً ليتسع لكل خيباتي؟!.