مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

المشاركة رقم 45 (مارس2016): الرقيمُ

المشاركة رقم 45
الرقيمُ
بقلم/ حيدر نعيس عبود الحجامي ـ العراق
   عندَ تخومِ إحدى القرى المنسيةِ، شوارعٌ غصَّتْ بصبيةٍ يتقاذفونَ كراتِ الطمي جذلينَ، بيوتهم خفيضةٌ شيدتْ من بقايا موادٍ للبناءِ بسيطةِ، بالقربِ من أطلالٍ لخرائبَ مندثرةٍ تقبعُ مدرسةٌ حملتْ اسمَ (الرقيم) بنيتْ من مادتي الطينِ و القش، و رصفتْ سقوفها بجذوعِ النخلِ اليابسةِ، تهدلتْ حصائرُ القصبِ فوقها، بابُها صنعَ من بقايا برميلِ نفطٍ،  نوافذها أُغلقتْ بنايلونٍ سميكٍ، تنزرعُ بمنتصفِ الصفِ لوحةٌ من الخشبِ لونها تهالكَ بفعلِ الزمنِ المغبر، أرضها سبخةٌ و رطبةٌ، تنفثُ منها روائحُ العطنِ و العفن، افترشتها أجسادُ التلاميذِ النحيلةِ، بينما راحَ المعلمُ يتنقلُ بينهم بالقفز.
يومها كانَ أحدُ التلاميذِ يقلبُ في كتابِ التاريخِ فصلُ (الحضارة السومرية) فاستوقفتهُ صورةً للوحٍ طيني،  يتحدثُ عنْ أحدِ الأشخاصِ كانَ مغتبطاً من جراءِ دفعهِ أجوراً لمعلمِ مادةِ الفن، فبادرَ معلمهِ بسؤالٍ: كيفَ كانتْ المدارسُ في ذلكَ الزمنِ يا أستاذ؟
أجابهُ بعدَ أن تحسرَ: يا بني كانتْ المدارسُ تبنى من الآجرِ، و المقاعدُ من الطين.
أجابَ التلاميذُ و الحيرةُ تملؤهُ: من الطين!
نعم أحبتي هذا الكلامُ قبلَ 3000 ألف سنة قبلَ ميلادِ المسيح، و نحنُ في ألفية الثانية بعدَ ميلادهِ، ليسَ هذا بل كانتْ تصنعُ آلهةُ من الصلصالِ، و البشرُ حسبَ اعتقادهم أيضاً خلقوا من طينٍ، إليكم هذا المقتبسِ من ملحمةِ جلجامش على لسانِ سكانِ أوروك:
"اخلقي له الآن نداً- أي لجلجامش- يعادله صخباً في الفؤاد
 فيدخلان في تنافس دائم و تسترح أوروك
سمعت آرورو هذا وتأملت في فؤادها صورة آنو
غسلت يديها، وجمعت قبضة من طين رمتها في الفلاة
(.. ..) في البراري خلقت إنكيدو العظيم، نسل … ننورتا"

التلميذُ:  آلهةٌ و بشرٌ و أماكنٌ!، هل نحنُ ورثنا عنهم تعلقهم بهذهِ المادةِ ليكونَ هذا مآلنا يا استاذ؟.