المشاركة رقم 47
البحث عن الرزق
بقلم/ محمد عبد القادر – مصر
في
أحد أيام شهر يوليو منذ عامين، توجه سامي ابن الثمانية عشر ربيعا إلى مدرسته
لاستطلاع نتيجة دبلوم التجارة، الذى يعتبره سامى و غيره من أبناء بلدته الصغيرة،
بل و إقليم الصعيد كله "الشهادة الكبيرة".
فما أن يحصل أحدهم على هذه الشهادة حتى يشعر
أنه قد ملك الدنيا بأسرها، قد أمسك السماء بيديه؛ فالظروف المعيشية الصعبة التي
يعيشونها من فقر مدقع، و قلة موارد مالية، قد حكمت عليه و إخوته الأربعة فضلا عن
والده و والدته بالعيش في غرفة واحدة، و حمام مشترك مع خمس عائلات أخرى.
ما أن علم سامي بنجاحه حتى انطلق عدوا من
المدرسة حتى بيته ـ على بعد مسافة خمسة كيلومترات ـ دون توقف؛ فالشهادة تعني له و
لأهله الكثير... و هناك أبلغ والده ـ عامل اليومية البسيط ، الذى بلغ من العمر
أرذله ـ فحمد الرجل ربه شاكرا، فها هو أحد أبنائه قد تخرج و سيتحمل العبء عنه، يعد
أن حان وقته ليستريح.
بعد مضي عامين من البحث عن عمل، تبينت لسامي
الحقيقة المُرة؛ أنه لا عمل على الإطلاق، و أنه بهذه الشهادة قد انتقل من طابور
طلبة المدارس إلى طابور العاطلين.
في إحدى زيارات جاره عبد الفتاح، الذى يعمل
لدى أسرة في دولة بترولية مجاورة، عرض عليه إيجاد عمل مشابه هناك؛ فطلب منه
استخراج جواز سفر، و تجهيز بعض المستندات، و مبلغ ثلاثة آلاف جنيها هي قيمة تذكرة
الطائرة و بعض المصروفات الأخرى.
و لما لم يكن لدى سامي و أسرته ثلث هذا
المبلغ؛ فقد إستدان والده من كل جيرانه حتى تمكن من تدبير المطلوب، اعتمادا على
إمكانية السداد فور عمل ابنه، لاسيما و أن المقابل المادي كما قال له جاره لا بأس
به، و أنه خلال عام واحد سيتمكن من سداد ديونه و بناء بيت صغير يؤوى فيه أهله.
في يوم السفر زوده والده بالنصائح اللازمة،
مشددا على ضرورة ألا يسرف، و أن يدخر كل قرش ممكن، كما أعدت له والدته بعضا من
المخبوزات الجافة التي من شأنها أن تعينه على العيش لمدة طويلة دون الحاجة إلى
شراء طعام إمعانا في توفير النفقات.
استقل سامي الطائرة المتجهة إلى بنغازى، حيث
ينتظره جاره هناك ليأخذه إلى مدينة سرت حيث يعمل.
هناك و على شاطئ البحر ذُبح سامى و عشرين من
زملائه ذبح الشاة، دونما ذنب جنوه، اللهم إلا إذا كان البحث عن الرزق الشريف يعد
ذنبا يستوجب القتل.
لم يذبح سامى و رفاقه فقط، و إنما ذبحت معه
آمال أسرته المكونة من سبعة أفراد، بعد أن سقط والده ميتا فور سماع النبأ.