مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

المركزالأول (مارس 2016): الشّاهدة

المركزالأول
الشّاهدة
بقلم/ موسى  علي الزعيم: سوريا/ محافظة ادلب ـ (حاليا لاجيء/ الاقامة الحالية المانيا برلين)
رغمَ أنّ سَمّاعةَ الهاتفِ استقرتْ في مكانها, إلاّ أنّ صدى صوتها مازالَ يعبرُ أفقَ مَسمَعي، أصابني بشيءٍ من الخدرِ اللذيذِ فبتُّ غيرَ مُصدّق لما سمعتْ،على عجلٍ راحت أبواب الذاكرة مشرعةً تنفتح أمامي على ماضٍ جميلٍ، بدأتُ استعيدُ شريطَهُ  الورديّ و قد أحسستُ أنّ كلّ ما حولي  يتراقصُ على وقعِ نبرات ِ صوتِها...
 نعم إنه ماضٍ جميلٍ عِشتُ أجملَ لحظاتهِ مَعَكِ، حاولتُ أن أوصلَه بحاضري بأيّ وسيلةٍ؛ فما استطعتْ، عندها انكفأتُ على ذاتي, و جعلتُه أيقونةً علّقتها على بابِ قلبي.
مرّت لحظةٌ من السكونْ, لم أسمعْ فيها سوى خفقات ِقلبي تزقزقُ كعصفورٍ طَرِبٍ، ذكرتني بعصافير الحديقة, حيثُ كنّّا نلتقي,  تطير و تغرّد حولنا في مهرجان الحبّ و الفرحِ.
قالتْ: أراكَ في الحديقةِ، لا تتأخرْ؛ اشتقتُ إليكَ كثيراً.
اليوم وصلتْ الحديقةُ التي شهدتْ تفتّحَ براعمِ قَلبينا. و تحتَ شجرةِ الكينا التي حفرْنا اسمينا على جذعها، و كانتْ الشاهدَ الأولَ على رجفاتِ القلبِ البكر لكلينا، و شاهداً على كلماتِ الحبِّ و الأغنياتِ التي ترنّمنا بها معاً، و الوردة الحمراء التي كانت تتوسّط المقعدَ بيننا.
آه ٍكمْ أحبّ الجوري لأجلك يا حبيبتي...
هرعتُ باتجاهِ الحديقةِ، كانت قدماي تطويانِ الدربَ كطيّ شريطِ الذكرياتِ، الذيْ فردتُه قبلَ قليلٍ...
منذُ أشهرٍ لم أرها, لم أسمعْ صوتَها، لا أعرفُ شيئاً عنها، سِوى أنّها غادرتْ المدينة مع أسرتِها و بقيّة النازحين، بعد أن انهكتْ الحربُ المدينةَ, و شردّتْ أهلها و أبعدتهم عن بعضِم، حتّى أنّ كثيراً من النّاس ضيّعوا أُسرهم, ضلّوا عنها في مخيماتِ النزوحِ داخلَ البلادِ و خارجَها...
 تُرى أمازال ذلك البريق الجميل في عينيها, كما كانت في لقاءاتنا قبل أعوام؟
 أم أنّ الحرب وسمتَها بالحزنِ، كما وسمتْ نوافذَ البيوتِ في  مدينتنا؟
مَنْ قالَ إنّ الُمدنَ لا تحسّ، لا تشعر، لا تحزن؟!
المدينةُ أم ّضيّعت أبناءها في لحظة شِجار عنيفٍ، لم تستطعْ أن تُصلحَ بينهم؛ فانكفأتْ على ذاتِها تبكيْ، بينما هم ركبوا طريقَ الغِواية و ضلّوا...
كلّ شيء بادٍ على طرقاتِها و واجهاتِ أبنيتها التي ثقبّها الرصاص... الذّعر و الترقّبُ في عيونِ سكّانها؛ صارَ لغةً جديدةً.
أسرعُ قليلاً، و قد عَقدتُ العزمَ ألا أسمحَ للحربِ أن تأخذها منّي مرّة أخرى...
كلماتٌ قليلةٌ مختصرةٌ عليّ أنْ أقولها لها. عليّ أنْ أنهي ما بدأتُه منذُ سنواتٍ، لن أتركها اليوم حتّى أحدد معها موعد زواجنا، سأبذلُ قصارى جهدي، لن أتركَ الزمنَ مرّة أخرى يعبثُ بنا، لن أتركَ الحربَ تغتالُ أحلامَنا من جديد...
من بعيد تراءتْ لي شجرةُ الكينا مذعورةً ًملفوحهَ الأغصانِ.  ربما العطش، أو لعل عاملَ الحديقة نزحَ أيضا؛ فأحسّتْ بالوحدة، أو ربما حزنتْ لهجرة عصافيرها...
لا... لا... الأشجار لا تَعطشُ في أرضِها، هي  الحربُ فعلتْ فعلتها بها...
عندما وصلتُ الى مقربةٍ من الحديقة، كانت ْهناكَ جلبةٌ و حركة غيَر طبيعيةٍ، و قبلِ أنْ أدخلَ؛ استوقفتني مجموعةٌ من الرجالِ المذعورينَ، صرخَ بي أحدُهم عند الباب:
- لا تدخلْ، لا تدخل!
أحسستْ أن أمراً مريباً يحدثُ...
ـ هــــااا...ـــــي إلى أين؟!  لاااا تدخل!
كررها بصوتهِ المخنوقِ و أردف:
ُمنذُ قليلٍ انفجرَ لغمٌ مزروع ٌفي أرض الحديقة ـ و أشارَ إلى هناكَ حيثُ شجرةُ الكينا ـ يبدو أنّ فتاةً دخلتْ مسرعةً و لم تقرأْ ما كُتبَ هنا...
 و مدّ إصبعهُ المرتجفةَ صوب لوحةٍ معدنيةٍ، كتُبَ عليها بخطٍ رديءٍ مرتبكٍ (انتبهْ  الحديقةُ مزروعة بالألغام).