المشاركة رقم 9
سؤال مباغت
احمد عبد التواب ـ مصر
خيانة، لكنها من نوعٍ آخر...
(للزوج في العشق أحزان أخرى) تفتق ذهن أحلام عن تلك العبارة الحقيقية المحيرة، و التى كثيرا ما كانت تستنكرها؛ فالصداقة السيئة ستدفع زوجها إحسان إلى العيش في بؤر الحزن و الضياع، و ماله هو بهولاء؟!... كانت على يقين أن السبب في تلك الخيانة هو صديقه محمود، ذلك البغيض الذي فُرض على حياتهما بلا مبرر؛ فعكر صفوها، مشكلته أنه أحب إنسانة و أخلص لها، لكتها تزوجت من غيره، و من يومها أصبح ضائعا، كان على إحسان يا أحلام أن يعلم أنه بزواجنا دخل مرحلة جديدة، ومشكلته أنه لا يعرف كيف يختار اصدقائه!.
لم يستطع الزوج أن يخفى معالم جريمته، و ها هو الان يعود الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، من فمه تنبعث رائحة السجائر العطنة، وعندما واجهته بالحقيقة؛ لم يتردد في الاعتراف آسفا أنه يشرب السجائر من وقت لاخر.
- اترى يا أحلام ما هى مشكلة إحسان التى دفعته إلى ذلك؟!... لقد نال من الحب ما تمنى، و هو يعيش فى كنف خير و أموال أبيه التي لا تنتهي، فينفق منها بلا حساب.
تركت نفسها للافكار و الهموم تداعب رأسها الحيرى بلا إجابة: محمود مرة أخرى، و كأن الله كتب عليها الوجود في محيطه أبد الآبدين. لم يستطع بعد أن تركته وفاء أن يتزوج أو يبدأ حياة جديدة... و ها قد مر على زواجها أربعة أعوام و هو فى نفسه يبكي ذكراها في كل وقت و حين، آلامه تصل إليها فرضا من زوجها بلا مبرر، اترى ماذا يكون شكل وفاء؟!.
ومن أى نوعٍ من النساء هي حتى تستحق كل هذا؟!
أسئلة كثيرة بلا إجابات، و محمود غارق حتى أذنيه في أيامها البالية؛ عندما كانت تنظر في عيونه ـ رغم فتنة أحلام الطاغية و جمال شبابها، الذى لا ينكره و لم ينكره أحد ـ تجد في عيونه اكتفاء و عفاف، كانه يعود في النهاية ليجد حبيبته في المنزل... إنه تجاهل مستفز لأنوثتها التي يمتدحها الآخرون، هو الآخر وسامته تفوق كل من رأتهم في الحياة، و له طريقته المختلفة المنمقة في التعامل، و التي تضفى عليه نوعا من الاختلاف، و تجعل الآخرين ينجذبون إليه انجذابا يحيطه الغموض، و لا تعرف له سببا... أحيانا كثيرة تشعر أنه يتلذذ بأوجاعه، و يريد من الجميع أن ينظر إليه بإشفاق على تلك التي طعنته ، و من يومها و هو مصاب بلا دواء.
قال إحسان:
ـ العمل يجعلنى عصبيا، و من وقت لاخر أدخن تمضية للوقت، و لكنى لم يصل بي الأمر إلى حد إدمان التدخين.
قالت بصوت غاضب أسيف:
ـ الكل في البداية يقول ذلك، لكنه فى النهاية لا يستطيع أن يستغني عنها... اسمعني: صداقتك بمحمود وصلت بنا الى نهايتها، أنا لا أريد رؤيته في بيتي، و لا أريدك أن تذهب إليه...
ـ كيف ذلك؟!... إنه صديقي منذ أيام الطفولة، و فى الحقيقة هو حاول كثيرا منعي من ذلك، و لكننى كنت أغضب منه، و أطلب منه ألا يتدخل في شئوني... فأنا لست صغيرا حتى يملي عليَّ أحد ما افعل...
ـ الآن علىَّ أن أذهب إلى بيت أهلي؛ حتى تعلم الحق و تعلم كيف تختار أصدقائك، و سأخذ ابنتي معي.
أحس إحسان فجأة أن شجاره مع زوجته، سيصل به إلى ما لا يحب، و أنه سيخسرها، و من أجل من كل هذا؟! من أجل محمود؟! فليذهب إلى الجحيم محمود و ليكف عن شرب السجائر، و تبقى محبوبته الاثيرة في المنزل... بالطبع هو سيحتاج إلى بعض الوقت، حتى يستطيع أن يفهم محمود ذلك؛ فمتى يقابله؟... كل أسبوع أو أسبوعين، و ماذا سيحدث لو لم يقابله إطلاقا؟... لا شىء بالطبع، المهم هو أن تبقى زوجته التي عانى و حارب الجميع من أجلها...
ذهبت أحلام إلى غرفة نومها، أحكمت الباب خلفها، و تركت إحسان وراء الباب يدق عليه فى توسل ورجاء؛ بلا مجيب... فتحت دولابها و أخذت تعبث فيه لبرهة، و أخرجت منه علبة مجوهراتها، راحت تتفرسها جيدا ـ الزوج يتوسل بلا إجابة ـ أسفل الغطاء المصنوع من القطيفة، تقبع صورة محمود و خطابة الأخير حين قرر فجأة أن افكارهما ليست متشابهه، غاصت بحنو في دوامة من الذكريات المضطربة، ثم عادت مرة أخرى تستفيق استفاقة مباغته على صوت طرقات الزوج و توسلاته، لكنه شيئا فشيئا يتلاشى منه الرجاء؛ أعادت ترتيب علبتها مرة أخرى، وضعتها حيث كانت، و اتجهت نحو الباب قائلة في اندفاع غير محسوب:
ـ ترى يا إحسان لو كنت أنا تزوجت من انسان آخر، هل كنت ستكون هكذا مثل محمود؟!.
سؤال مباغت يحمل بين طياته أكثر من معنى، تلك المباغتة دبت و زرعت فى قلب إحسان شيئا من الريبة و الخوف؛ هل آن له الآن أن يفهم شيئا من الحقيقة؟ قال فى استنكار:
- ولماذا محمود الان؟!.
لم تستطع أن تداري ارتباكها بسبب تلك الحقيقة، التي أفلتت منها، و سقط بعدها اللجام، تلعثمت، اعتلى وجهها احمرار الخوف و الندم؛ أطرق برأسه فى صمت... بين خيانة المشاعر و خيانة الجسد لا يوجد فارق كبير، و لكنهما في الحالتين خيانة، ربما انتهت بالنسبة لمحمود، و لكنها حبيسة الآن بينه و بينها.
تمنى أن يضربه أحد على رأسه حتى يستفيق، عاد إلى الصالون يلملم أقدامه، و قلبه يجثم عليه هم لا ينزاح...
وقفت تبكى بلا صوت و لا دموع، تحركت، أمسكت بقدمه الخدرة؛ لم تلحظ عقله السكير الذي مضى بلا رؤية و لا حس، ارتمت على الارض، البكاء الآن له صوت، يغرق وجهها في شلال من الدموع، باب الشقة مفتوح، و لا وجود لإحسان... و هل كان له يوما وجود؟!.