مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

المركز الأول: كلمات... فوق سطح الماء بقلم/ أحمد توفيق محمد علي (مصر)

ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المركز الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
كلمات... فوق سطح الماء
بقلم/ أحمد توفيق محمد علي (مصر)
الحياة تضج على سطح المركب بالحيوية... رقصات... أغاني... نكات... أخذ أحد الأركان وجلس يراقب عن كثب... يزيل من رأسه هموم الأيام التي تتثاقل عليه يوما بعد يوم... ألقى بنظره على سطح مياه البحر وكأنه يُلقي عليه كل ما يثقل كاهله... في منتصف العقد الرابع من عمره... يهز رأسه وكأنه ينفض عنها أوجاعه ويلقيها في البحر... يمسك بيده بعض الأوراق وقلم يدون بها كلمات:
-       إذا لم يعجبك المكان هنا... ابحث عن الهدوء في مكان آخر... لن أتغير أبدا.
-       أنا لا أطلب منك سوى أن توفري لي الراحة يا زوجتي العزيزة... بيدي رواية أحب أن أكمل كتابتها.
-       كلام فارغ... سافر أحسن لك ولنا... ماذا أخذنا من كتاباتك... ابحث عن عمل في أي دولة عربية.
-       ولكني لست عاطلا... فأنا أعمل هنا وأحضر لكم ما تشاءون أنت وأولادي... وتعرفين أنني أحرز تقدما ونجاحا بكتاباتي وسيأتي اليوم الذي...
قاطعته بحدة:
-       لن يأتي هذا اليوم أبدا إن لم تسافر وتترك هذا الهراء.
وضع رأسه على حافة المركب وكأنه يحاول إسقاط تلك الكلمات في البحر لتغرق بل ويغرق معها... ولكن سرعان ما اعتدل في جلسته على هزّة رقيقة على كتفه... نظر بجانبه فإذا بشابة في بداية العقد الثالث من عمرها... جميلة... رقيقة... تشع من عينيها نظرة طالما تمناها تخترق قلبه ووجدانه... نظر إليها وكأنه يرجوها بنظراته أن تجلس جانبه... وكأنها استجابت لتلك النظرة... جلست بجانبه... تلملم رداءها بين قدميها... تبادره بصوت حالم:
-       هل أنت مريض؟!... لم لا تشترك مع الشباب والفتيات في مرحهم؟!
-       لا... ولكنني أفضل الهدوء... فأنا أكتب الآن...
-       هل تسمح لي...
وقبل أن يسمح لها امتدت يدها الرقيقة تسحب الأوراق من بين يديه... فترة صمت... شعر بأنها ذابت مع أوراقه وتاهت بين سطورها... لا تشعر حتى بوجوده أو وجودها على المركب وسط هذا الصخب... لا يدري كم مرّ من الوقت على هذا السكون بينهما ولكنه تمنى أن تتكلم ولو بكلمة واحدة... الدقائق تمر عليه وكأنها دهر... لم يستطع أن يتحاشى بصره من النظر إليها... بادرها:
-       هل تحبين قراءة الأدب؟
وكأنه يحادث نفسه... تركها تكمل قراءتها وعاد ينظر إلى سطح المياه... ربما يتحدث هو بدلا عنها... سمع أوراقه تُطوى فالتفت ناحيتها... وجدها ساهمة... تنظر للأفق... تلتقط الأوراق دمعة ساخنة سقطت من عينيها شعر معها بأن أوراقه تحترق... حاول إمساك الورق قبل أن يسقط فلمست يده يديها... وبدون أن يشعر احتضنهما بين يديه... تاركا أوراقه تسقط... نظرت إليه وكل جسدها يرتعش:
-       لقد أوجعتني كلماتك... كأنك تكتب عني.
أطرق بنظراته إلى أرض المركب وكأنه يحادث نفسه:
-       إنني أكتب عن نفسي.
-       وكأن روحانا تلتقيان في هذه الكلمات... لا أجد نفسي إلا من خلال حروفها... أما روحي فإنها تغرق ولا أجد من ينتشلها.
-       أنت ناعمة مثل سطح هذه المياه... ولكن... ولكن كلماتك تثور كأمواجه عند الغضب... أشعر أنك قريبة مني... لأعماقي.
-       شعرت بك في كلماتك... روحي تعلقت بها و...
قاطعها وهو يضغط على يديها وكأنه يخاف أن تتركه وحده:
-       وروحي تعلقت بك.
عاد ينظر لسطح المياه الذي بدأ يثور وترتفع أمواجه... تطن كلمات زوجته في أذنه وكأنها جمرات نار تخترقها وتحرقها في سخرية:
-       بكم ستبيع تلك الرواية؟!... لا أحد يقرأ أو يشتري... ابحث لك عن عمل آخر بالإضافة لعملك أو تسافر... لقد مللت الحياة معك... غيري يعيش في نعيم أما أنا ففي الجحيم معك ومع أولادك.
نظر أمامه... وجد الشاطئ يقترب رويدا رويدا... شعر بيدها تنساب من بين يديه في رفق وتنهض مبتعدة عنه قليلا... تنظر إليه وقد امتلأ وجهها شحوبا واصفرارا... تنهمر دموعها فتحرقه من بعيد... يحاول الاقتراب منها فتبتعد... تهمس:
-       قف مكانك وكفى اقترابا... لا أريد التعلق بك... ليس من حقي.
أخذ يلملم شجاعته وأوراقه المبعثرة على سطح المركب... أمسك بها... ينظر لسطورها المبللة بدموعها ثم ينظر إليها... تلاهثت دقات قلبه وكأنها في سباق مع الزمن... خرجت كلماته متحشرجة في فمه:
-       لا أعرف حتى اسمك ولم تعرفي اسمي... ولكني بحاجه إلى أن أقولها.
-       ماذا تريد أن تقول؟!
-       هل... هل تتزوجينني؟
أطلقت آهة عالية تخرج من صدرها... تمسك بقلبها وكأنها تخاف أن يخرج من ضلوعها:
-       لقد ذبحتني بأحلى كلمة كنت أود سماعها من زمن... ولكن... فات الأوان.
توقفت المركب عند المرسى... وبدأ الشباب والفتيات يتسابقون على النزول منها حتى أصبح المركب خاليا إلا منهما... وفجأة... صعد أحد الرجال على سطح المركب متجها ناحيتها... يمسك بيدها في غلظة يبتسم لها في سخرية ثم ينظر إليه:
-       لعل أعصابك قد هدأت الآن بعد تلك الرحلة البحرية... هيا بنا يا زوجتي العزيزة فأنا أحتاجك الآن... وتعرفين في أي شيء أحتاجك.
ثم أطلق ضحكة صاخبة مليئة بالسخرية وجذبها من ذراعيها ونزلا للشاطئ.
نظر إليها وهي تبتعد... تنظر ناحيته خلسة وكأنها تقول:
-       هذا حالي.

غابت عن نظره وسط الزحام... نظر لأوراقه... اعتصرها بين يديه وألقى بها وبقلمه على سطح الماء... أخذ ينظر إليها حتى تشبعت بالماء وغابت في أعماق البحر.