مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

المركز الثاني: هلوسة بقلم/ كامل بلال (الجزائر)

ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المركز الثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
هلوسة
بقلم/ كامل بلال (الجزائر)
ينظر إليها بسرور، ابنها الذي أتم عامه الخامس بالأمس يسألها بإلحاح:
- أين أبي؟ لماذا لم يحضر هدية عيد ميلادي؟
تحاول أن تقنعه بأنه قضى الليل في العمل وسيحضرها معه عندما يعود اليوم.
طلب منها أن تصنع له كعكة ميلاد، يشتهي أكل الكعك كثيرا خاصة إذا كان بنكهة الكاكاو. 
تحبه لدرجة الجنون، لدرجة لا تستطيع معها ان ترفض له طلبا، هو أثمن ما تملكه في هذه الحياة الممسوسة بلعنة البؤس والشقاء والوحدة. بعدما أخذ منها السرطان رحمها منذ سنتين وصنع منها مشروع عاقر لبقية حياتها، وبعدما سلبت منها الحرب كل من تحب تباعا، ما عاد يعنيها من الحياة سوى أن تسعد ابنها وزوجها لأنهما أضحيا عائلتها الوحيدة وعالمها الأوحد.
وهي تصنع كعكته، تفسح له المجال ليعبث بالأشياء من حوله، هو عيد ميلاده وستسمح له أن يستمتع به قدر الإمكان، تنظر إليه بعينين مشعتين، يغمرها فرح خفي ويغشاها خوف غامض، تتداخل أحاسيس متناقضة في قلبها وكأن مشاعرها في حالة من الفوضى.  
هذا الهدوء من حولها يذكرها بأشياء كثيرة، يعيد إلى الحلق مذاق المرارة الذي يتكور كغصة في القلب، تعود ذاكرتها قسرا إلى أحداث مؤلمة مرت بها، أشخاص وأحباب فقدتهم، وأماكن محبوبة اندثرت مع القصف والتفجيرات، تستيقظ المواجع القديمة داخلها دفعة واحدة، وتخنقها رائحة البارود  ودخان الحرائق القادمين من مكان ما من الذاكرة المعطوبة.
انتهت من صنع الكعكة، زينتها ثم وضعت في وسطها شمعة جميلة وأشعلتها.
وضعتها بعناية على الطاولة.
طلبت منه ان يتمنى أمنية من قلبه ثم يطفئ الشمعة.
عندما فعل ذلك صفقا معا بفرح، قبلته بحرارة على وجنته قبل أن تسأله بفضول أنثى:
ماذا تمنى ابني الجميل.
يرد ببراءة:
هكذا لن تتحقق يا أمي، ثم إن أخبرتك بها لن تبقى أمنية.
تستدرجه قائلة:
الطفل الذي يشارك أمه أمنيته يحققها الله له بسرعة.
يسعده كلامها، يخبرها:
- تمنيت أن تنتهي هذه الحرب لألعب مع رفاقي بأمان، هل ستنتهي؟
يربكها جوابه، لا تدري بما ترد، تقول: 
- بالطبع ستنتهي هذه الحرب.
ثم تهمس بصوت خافت:
- يوما ما...
تضيف:
- والآن دعنا نقطع هذه الكعكة وأنت ستتذوقها أولا وتخبرني برأيك.
ما أن أخذ أول قضمة حتى ضغط على شفتيه وانفجر ضاحكا.
تسأله باندهاش:
- ماذا هناك؟ الم تعجبك؟
يرد وقد اشتد ضحكه:
- أمي إنها مالحة جدا!
- أحقا...
تتذوقها على عجل قبل ان تضيف قائلة:
- يا إلهي... أظنني وضعت ملحا بدل السكر.
ثم تنفجر ضاحكة هي أيضا. 
تمازحه قائلة:
- حتى وإن كانت مالحة، يجب عليك ان تكمل قطعتك فهي كعكة ميلادك.
وما إن قربت القطعة من فمه قال:
- لا أريدها إنها مالحة جدا.
ثم ركض هاربا منها، وهو يركض من مكان لآخر هربا من مذاق كعكتها، تسرب إلى قلبها فرح عميق وغمرتها سعادة غريبة، كان يحرض غريزة الأمومة لديها بحركاته الطفولية لجعلها تحاول الإمساك به. 
أمام إصراره على لعبة المطاردة، ركضت خلفه محاولة الإمساك به، أمام بهجته الزائدة لم ينتبه إلى خطواته المتسارعة، تعثر ووقع على الأرض، صرخ عاليا ثم انقطع صوته، مع صراخه يدوي صدى انفجار في أذنيها، هرولت إليه وقبل أن تدركه أغمي عليها.
استفاقت في سريرها وزوجها مستلق بجانبها، يمسح على رأسها ويرتب خصلات من شعرها.
سألته: 
- هل أصاب ابننا أي مكروه؟!

أجاب:
- ولكن ابننا مات في ذلك الانفجار منذ سنوات...