مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

مربع الجحيم بقلم أ/ عبد الباسط واكية (سوريا)


المركز الثاني:
مربع الجحيم
بقلم أ/ عبد الباسط واكية (سوريا)
أعيش منذ سنين في مخيّم على حافّة إحدى دول الجوار، أعُدّ الخيام كلّ يوم مرّتين، في الصّباح وفي المساء، وفي كلّ مرّة أرجو ألا تزداد، ولكنّها تزداد كما يزداد الغبار على ظهورها يوما بعد يوم
ما يدفعني إلى اليأس حقّا، هو تحوّل بعض الخيام إلى بيوتٍ من الصفيح!
وما يمسح الأمل تماما من داخلي، هو تحوّل بيوت الصّفيح تلك إلى غرف صغيرة من الطّين!
إنها تثير سؤالا كبيرا في داخلي:
هل سنبقى طويلا هنا… !؟
الأيّام المتشابهة والمتكرّرة كلّ يوم؛ عقوبة أخرى يمكن إضافتها إلى قائمة العقوبات التي أفرزها العيش في المخيّم!...
حيث يرسلني أبي كلّ صباح من أجل الوقوف في طابور الخبز!
وبعدها في طابور الماء!
وبعدها في طابور الإعانة الغذائيّة!
وبعدها في طابور العيادة من أجل أخي الصّغير!
ثمّ أعود إلى الجلوس في ظلّ الخيمة، أرسم على التّراب خارطة الوطن الذي ضاق بنا، وخارج حدوده أرسم مربّعا، ثمّ أصفّ الحصى داخله على أنّها الخيام.
أراقب أطفالا صغارا يخرجون من الخيام، أعمارهم أقلّ بكثير من عمر المخيّم، وجوههم متّسخة، يحملون في أيديهم كِسر الخبز البائت!
أتساءل! كيف ينجب الآباء في هذا المكان البائس؟ لأيّ شيء ينجبون الأبناء؟
أ للوقوف في الطّوابير، أم للتسكّع حول الخيام...!؟
بالأمس القريب زفّوا عروسين بطريقة الهنود الحمر، دخل العريس خيمته وكأنّه يدخل قصر برمنغهام!
عُدّوا معي تسعة أشهر فقط، وراقبوا باب خيمته وقد خرج منه طفل صغير
(كَوْن لازم يعْمَر)… كلمات أبي التي يبرّر بها كلّ نقاش، وكأنّها دليله القاطع، يقولها وهو ينفث الدّخان من فمه كقطار بخاريّ...
لا أجرؤ على مناقشته في دليله، ولكنّني أقول في نفسي، كيف سيعمر الكون؟!
أ بالخيام يعمر الكون؟!
ولكنني أراه يعمر بها حقّا:
البيت خيمة
المدرسة خيمة
المرحاض خيمة
المستوصف خيمة
غرفة مطهّر الأولاد خيمة
محلّ كوافيرة العرائس خيمة
والوطن مخيّم!
والحدود هي الشّريط الكهربائيّ الشّائك الذي يحيط به، ورجال الأمن الغلاظ الشّداد الذين يحرسون بوّابته الوحيدة بكلّ صرامة، ولا يسمحون لأحد بالمغادرة إلا إذا كان ميتا…!
آخر نقطة لتشيع الجنازة هي البوّابة، ثمّ يستلم الجنود الميت إلى المقبرة التي لا نعلم أين هي!
أنظر إلى أمّي التي تلقي بالغسيل على حبال الخيمة، وتوصيني بحراسته لأن لصوصا يسرقون الملابس! ثمّ تدور حول الخيمة لإبعاد علب الفول الفارغة، ولشدّ حبالها ووضع المزيد من الحجارة على محيطها لكي لا تطير إذا هبّت الرّياح العاصفة، كما طار بيتنا بصاروخ فراغيّ!...
أسمع أبي من الداخل يقول لعمي الذي جاء زائرا من الطّرف الجنوبيّ للمخيّم:
سيبنون مخيّما جديدا بالقرب من هذا المخيّم!
ثم أسمع صوت (القدّاحة) يقدحها عدّة مرّات حتّى يشعل السّيكارة
أمسكُ عودا وأخطّ على الأرض مربّعا آخر إلى جوار ذلك المربع، ثم أنهض لجمع المزيد من الحصى