مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

دقّات قطار اللوم الكاتب/ خليل حسن محمد الزينى (مصري مقيم بالسعودية)

(المركز السابع)
دقّات قطار اللوم
الكاتب/ خليل حسن محمد الزينى (مصري مقيم بالسعودية)
"سيمضي العمر و نحن ننتظر... و لماذا ننتظر؟!
تَهَب شبابك، و تذبح أحلامك و أمضي أيامك؛ لتأمين المستقبل... أي مستقبل؟ عُد، أنا في انتظارك. لِمَ نعاني الحرمان... فالحياة قصيرة و سنظل هكذا نطارد سراباً علي شاطئ أماني الشيطان.
فبربك عد... و أقم خيمة الوصال... فأنا راضية... وإلاّ فمتي و ربِّك سنحيا؟!".
التوقيع/ عروسك المهجورة
عاد مُلبٍ للنداء؛ أعلن الزفاف، نال الإذن بالوصال، أكلت مراسم الزواج حصاد أشجار (حقل البعاد).
ما سعدت باللقاء حتى لوّح لي بالسفر! فما زالت الفرصة في يده.
عذراً، بلاد الغربة ترفض منحك إذن الدخول!
لم أكد أرسو علي شاطئ الراحة و الأمان حتى حلق زوجي في سماء الشقاء... أتعبني و لكنه اختياري و مشروع حياتي العام و لا مجال للمقامرة... هو رصيد الاستقرار في بنك السنين عوائده الحنان و الضمان.
رجولة واعية... تصيبني هذه الرجولة بالخوف! فهو يريدني بألف وجه... و يرغب كل نساء الأرض، لكنه اكتفي بي حتى حين!.
"حتى حين" أذكرها بابتسام و بسخرية كمزحة... أيفعلها مع غيري ارتشافا أو وصالاً؟! لهذا كنا نتحين الفرصة للقاء عابر...
كنت أطعمه بقدر... ليظل في مينائي متلاعبةً به بين أمواج صدري.
انتهت أيام التغريب الثانية... و من قبلها كان قد استقرّ الرأي علي مشروع بدخل ثابت، فالمشروع جيد، و الأيام لها ربّ كافٍ حليم.
وقفت أمام المرآة أستحلفها أي الأشكال أبهى و أبهج؟!، أسترجع كل ذكرياتي... لا تسعفني الذاكرة من النشوي...
لم استطع أن أكمل حواري مع المرآة فالهاتف يرن بكثرة... متي سيصل؟!...
أعلم اليوم فقط لا الميعاد... فهو يكره أن أترقب وصوله بالمطار و يخشى إرهاقي،...
أم الحق.. فأنا أدري لماذا؟ لأنه يحتفظ بحلاوة و حرارة اللقاء للبيت حقاً:-
أخيراً سنتلاقى فلا فراق، سنهدم كل المسافات و نسقط كل الأقنع ، الآن لا حرج أو ترفع؛ سأداوي ضعفه و أروي اشتياقي امتزاجاً، الآن نرجم كآبات المسار الشائك و لنحتال لنجتاز تيار نهر الحياة.
الآن سأنال دفء الأنفاس و حرارة الأمان علي شاطئ الحياة بجوار النبع الهادئ. إنه يملأ دنياي و عقلي و روحي و صدري.إنه رجل ذو ضمير، هكذا دوماً أراه!
لم أعبأ بكل هداياه و لم تلفت انتباهي رغم التنوع. لم أكن أعبأ بهذا و لكن كنت أخشى لهفته، فأنا اليوم فتنة هو خامدها و أنا أشعلها.
زادت بيننا الثقة، فقد خمدت الفتنة و هدأت اللهفة و أخذت الحياة شكلها الطبيعي و المعتاد.
"سميحة عليك بالحضور - والدك في النزع الأخير"
هذه البرقية جعلتني أهب علي عجل لأعد لأمر سفري، لم أفق أو أستوضح ماذا فعلت إلا مع ركوبي القطار... علي صوت دقات القطار أسترجع ما حدث؟ و تتدافع الخواطر علي رأسي.
كيف سيمضي زوجي الأربعين يوم؟، هل دينا علي مستوي المسئولية؟، هل سألحق أبي وأتمكن من رؤيته؟، هل سألحق مراسم الدفن؟
هل قرأ زوجي الخطاب؟ كان يجب أن أنتظره و نغادر سوياً.
فجأة سكتت كل الخواطر. و لم يبق إلا طنين يحوم حول دينا...
دينا جارتي؛ إنها أكثر من جارة و أقرب من ذلك، أشركتها في هدايا زوجي.
إحدى جاراتي أيام البوار، كانت تعمل بمركز طبي تخصصي كبير يقصده الصفوة من كل البلاد المحيطة...
من خلال عملها تزوجت من ثري عربي، اتخذها زوجة و ممرضة فهي جميلة بحق لولا بعض تشوهات الفقر... أمضي معها ما شاء، فر عندما تحسنت أحواله، شقتي كانت جزء من شقتها، تخلت عن الثلثين لكي تجد ما تعيش به...
حين صفت لي و حكت عن زوجها الهارب كنت ألعنه؛ إنها ما زالت زوجة... بدأ النعاس يثقل رأسي؟
لقد تركت مفتاح الشقة لدينا لكي تفتح لوردة ( الخادمة ) حين تحضر في الغد. انتبهت مفزوعة. إنه مجرد كابوس هل يتحقق؟ ربما، يمكن... لا محال... فدينا ستعطي المفتاح لوردة لا أكثر؛ لتلبي الطلبات... الآن سأنام بلا حرج.
تم العزاء و انتهت مراسم الجنازة و شارك زوجي في كل السرادقات، أنفق مع إخوتي بسخاء...
طلب مني العودة، لتلقي العزاء في البيت... و العودة يوم الأربعين، فالكبير من الرجال، لا معني لكونك (البكرية).
أما عن الميراث فما كان من نصيبك، فهو لك، و لا داعي للخلاف، و عقب الأربعين سأستأجر سيارة لأنقل أمك إلي بيتنا، فهذا حقك فأنت (البكرية).
أمام هذا كله رجوته بأن يدعني أكمل الأربعين يوماً بالبلدة دون مشاق للسفر، أما عن الأولاد...
-     "الأولاد عند أختي، وبهذا الشكل سأتركهم هناك، فأنا لا أتابعهم.
-     وردة... تأخذ المفتاح (قاطعها زوجها).
-     ربنا يكملك بعقلك، من يترك مفتاح شقته لجارة أربعين يوماً؟!
-     ..............
-     مهما يكُن - عشرية و علي الفطرة - لكن بأصول.

كان يعبث بغيرتها لعلها تعود.

-     ..............
-     تتصرف في الشقة علي راحتها، إذا شافتني تنكسف و تمشي... لأ... أبداً...
لم تكن في حالة لتفهم هذه الإشارات و تفك ألغازها سواء كانت بالكذب أو هي الحق المبالغ فيه لمأرب في نفس الزوج.
أخذتني إجراءات الميراث و مرض أمي عقب الأربعين شيئاً ما. يجوز لزوجي أن يتكدّر الآن.
ودعت أمي بحجة أني سأسافر لأطمئن علي الأولاد فقط و أعود في نفس الأسبوع.
كانت الوساوس تؤرق مضجعي حتى ليلة أمس؛ لقد تنبهت مفزوعة علي كابوس مخيف:
"زوجي يدخل الشقة فيجد دينا مستلقية علي الأرض و متكئة علي الكرسي بجوار المطبخ أمام باب الشقة، و تتعلل دينا بأن وردة غادرت مبكراً لطارئ و تركت بقية مهام الشقة دون أن تتمها فقامت دينا بها، و يتطلع الزوج في دينا و يبقي مكانه حتى تتمكن دينا من تبديل ثيابها... (العيب عليك يا سميحة) همسات زوجي"
علي طول الطريق تلعب بي الوساوس: هل سيطاوع دينا؟!، هل ستتلاعب به
دينا؟ و ما أكثر الوساوس...
دخلت شقتي، كان الوقت مبكراً؛ سمعت صوت غناء، إنه صوت دينا بالحمام، و الباب مفتوح، في غرفتي أشياء ليست من متعلقاتى... احتفظت بإحداها و دخلت غرفة الأولاد أرصد دينا و حركاتها...
"يوه... الراجل بيحاورني.., شال الحاجة فين... و ماله أي حاجة و السلام"
مشرقة الوجه، باسمة، متراقصة؛ ارتدت فستانا قصيرا و غادرت الشقة.
بكيت بحرارة و غزارة... و التهبت عيناي من البكاء المكتوم.
طفت بالشقة أرصد الغريب من الأزياء...
لا إنها هنا منذ عدة ليال؛ تنوع الأزياء أمامي يدل علي هذا؛ جففت دموعي، تماسكت، نزلت سريعاً... بعدت عن البيت، اتصلت بدينا علي أساس أني بمحطة السكة الحديد منذ ساعة و أنا في الطريق لهم... فرصة لكي تسحب ذيولها... و ليكن صدامي هادئا.
شكرتها و أنا أحترق غيظاً و ألح علي حق الجوار و العشرة...
عاد زوجي؛ صدمه احمرار عيناي، لم أتكلم، أخرجت ما كنت أخفيته من ملابس دينا... فررت من أمامه و أغلقت باب الحجرة حتى اليوم التالي... لم يحاول الاعتذار...
غادر إلي عمله صباحاً تاركاً ظرف به الفلوس... دون أن أطلب! غادرت إلي بيت الأسرة.
دقّات عجلات القطار في أذنيّ كأنها أنات...
بدأت أراجع الموقف... من المذنب؟ أنا ألوم دينا... لا ألوم زوجي؟ تذكرت تلميحاته من قبل عن دينا... و من قبل ضعفه أمامها أو ليست دينا هي أيضاً امرأة... إذن اللوم عليَّ!
سميحة أخذك الواجب نحو الأسرة أكثر مما يجب... و... و... هذا هو ذنبك يا سميحة؟ فماذا عنه هو؟
هو - الزوج - لقاءات علي هامش شاطئك... و حين بدأت أرسو و أستقر وجدك تلقي به علي شاطئ أخري... شاطئها هي... دينا.
دينا - جارية زمن الجفاف ـ كما أطلق عليها ـ لا امرأة مطلقة و لا هي زوجة من ناحية أخري... أذلتها الدنيا فباعت أغلب شقتها... أتحقد علي لهذا السبب؟ أم لأنها تمنت أن تكون زوجة و أما و تحطمت الرغبة علي باب وزارة الخارجية...
ألم تبك جمالها؟ آه – و استحضرت العبرة عيني سميحة اضطربت نفسها لحظة
- جمالها لو أحسنت استغلاله مع بعض الحيل البسيطة... لكانت سالومي، هذه هي المحطة؛ وصلت إلي البلدة، لم تصل إلي قرار بعد، أهي ذله أم ذنب و إصرار... التسامح لين... لابد من الطلاق.
بعدها بيومين هبط الزوج البلدة و معه البنتان... طلب حديثها بعيداً عن العيون... طلبت الطلاق..
ـ حضوري اعتذار
أحسست بلكنة الدمع في الحديث...
ظل هكذا حالنا ثلاثة أيام... أخذته العزة؛ انسحب و ترك لي وعدا بالطلاق خلال عشرة أيام إذا لم أعود فيها للبيت.
كم كانت سعادتي بهذا الوعد و هو يحدد موعده... كان كلما حدد "يوماً... أربع... يصمت، يتلعثم، حتى حسمها بهذا الوعد و الوعيد"... كنت أكتم ساعتها ابتساماتي و أخشى أن يري في عيني فرحتي؛ سأعود بعد أسبوع حتى أزيد من ألمه و لن أزيد حتى لا يقع ما أكره... فهو إن وعد صدق.
سميحة أنت تدري دواخله إلي هذا الحد فلم الإهمال... سأعود سأصمد في المعركة... ليست معركة... كانت مجرد مناوشة.
أنا أشتاق إليه؛ لساني يهتف له ارتعاشاً، عيني تومض برؤياه، و صدري يخر ساجداً خشوعاً و توسل، ولكن عقلي ما زال يرفض بألم، قبلة لينة علي الجبين كانت صلاة التوبة.

دقات القطار الآن لا صدي لها عندي.