(المركز الثالث)
رمزي
الكاتب/ محمد أحمد نبيل عبد الفتاح جاد الله (مصر):
بِهِمَّةٍ قام بقصِّ عددٍ من الإعلانات المهمة من الصحيفة
اليومية كعادته. جمع أوراقه قاصدًا المكتبة القريبة من منزله. قام بتصوير عدة نسخ
من كل مستند. قسَّمَ صور المستندات على عددٍ من الملفات تساوي عدد الإعلانات التي
جمعها.
ظل رمزي يفعل ذلك ما يقارب السنةِ، فبعد تخرجه من الجامعة؛
يقصد كل يومٍ مجموعةً جديدةً من الشركات المُعلِنةِ عن وظائفَ خالية، و في طريق
عودته يشتري عددًا من أكياس الشيبسي لإخوته الصغار؛ حيث يتنافسون لتجميع أكبر عددٍ
من الجوائز المُقدَّمة من الشركة المنتجة. و في ذلك اليوم، فتح أحد الأكياس لنفسه،
فإذا به يربح عشرة آلاف جنيه؛ فأخذ يقفز فرحًا مع إخوته، و والداه ينظران إليه
بحبٍ و سعادة.
و في وسط أجواء السعادة و المرح، تقدم والده نحوه ببطءٍ، ثم
وضع يده على كتفه من خلفه؛ فاستدار إليه. نظر الأب في عينيه نظرةً عميقةً، ثم قال
له: "اِعلم يا بني أن الله دومًا يكافئ من يسعى، و أنه أبدًا لا يُضيعُ أجرَ
من أحسنَ عملا". قبَّلَ رأس والده، ثم عاد ليستأنف أجواء المرح مع إخوته.
قرّرَ استثمار المبلغ؛ فأصبح يشتري به كل ما يمكن شراؤه من المنتجات
التي تتضمن جوائز من الشيبسي و الأيس كريم و الحلوى و اللبان، بل أنه قد أدمن تتبع
العروض المقدمة من سلاسل الهايبر ماركت.
على مدار ستة أشهر، كان و إخوته يحققون بعض المكاسب: هنا ربع
جنيه، و خمسين قرشًا هناك، و تلك عبوة مجانية، و ذاك كوبون خصم. كانوا يأكلون ما
يكسبونه، بينما كان هو يزيد من إنفاقه لشراء المزيد من منتجات الجوائز، في انتظار
تكرار ذلك الفوز الكبير، أو تحقُّق أمنيته بجائزةٍ كبرى يضمن بها مستقبله.
و في ذاك الصباح، قام بهِمَّةٍ عالية. فتح درج مكتبه. أخذ
يعُدّ ما تبقى من الجائزة. اتخذ قراره و هو يُحدّثُ نفسه: "هذه الألف و تسعمئة
جنيه هي آخر ما تبقى لي من أملٍ في الفوز الذي لن أتنازل عنه".
استقلّ سيارة أجرة ليذهب إلى تاجر الجملة الشهير، ثم راح
مُحَمَّلاً بما سمحت له نقوده بحمله من السلع ذات العروض الترويجية بالجوائز
السخية. و ما أن رآه إخوته من الشُّرفة؛ حتى نزلوا مهرولين إليه يحملون عنه
بسعادةٍ و شغف.
و قبل صعوده، انتبه إلى طرف مظروفٍ يتدلى من أسفل صندوق
البريد الخاص بأسرته بجانب الدّرَج. فتح الصندوق، تناول المظروف الذي اكتسى بطبقةٍ
من الغبار. فوجئ بأنه من إحدى الشركات الكبرى التي سبق و أن تقدم بطلب وظيفةٍ
فيها، و أجرى بها مقابلةً شخصيةً منذ فترة.
فتح المظروف والفضول يملأ كيانه، و الترقب يقفز من عينيه
اللتين لم يكد يصدقهما و هو يقرأ خطاب الشركة الذي يفيد بقبوله لشغل تلك الوظيفة،
و دعوته لإحضار أصول مستنداته الشخصية في أسرع وقت ممكن لاستلام العمل.
صَعَدَ الدّرَجَ طائرًا. دخلَ المنزلَ مناديًا بأعلى صوته:
" أمي! أبي! لقد تم قبولي في واحدة من الشركات الكبرى التي كنت أحلم بالعمل
بها". عانق والديه منهالاً على أيديهما و رأسيهما بالقُبَل، و هما يدعوان له
بالتوفيق والسداد.
في صباح اليوم التالي، استيقظ مبكرًا. لبس أفضل ثيابه، و تعطّر.
أخذ ملف مستنداته المنسيّ في درج مكتبه. أخذ من والده مبلغًا يكفي لركوب ليموزين
بدلاً من المواصلات العامة؛ حتى يحافظ على هندامه و أناقته، و رائحة العطر.
وصلَ مبنى الشركة متوجهًا إلى إدارة الموارد البشرية. قدَّم
لهم ملف مستنداته و معه خطاب قبوله بالوظيفة. ألقى المسؤولُ نظرةً على الخطاب، ثم
قال: "رمزي! نعتذر بشدة عن عدم قبولك بالوظيفة؛ فقد تم تعيين آخر".
رمزي: كيف هذا؟! أنتم مَنْ أبلغني بالقبول، و بضرورة إحضار
مستنداتي لاستلام العمل!
المسؤول: صحيح، و لكنك لم تنتبه إلى
أن خطابنا لك كان منذ حوالي ستة أشهر.