مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

هارب من أم المهالك بقلم: طارق محمد الصاوى عبد المعطى خلف (مصر)

هارب من أم المهالك
 بقلم: طارق محمد الصاوى عبد المعطى خلف (مصر)
غمرتها المأساة بانفعال رسم مسار حياتها، أظهرت - تحت برق الكاميرات - لحظة امتصاصها الصدمة تحديا، تماسكا،  قوة و ثباتا في مواجهة فاجعة رحيل الخطيب، الحبيب، ابن العم؛ ارتدت بزة  الجيش الشعبي، تمنطقت في حزام الخاصرة "بطبنجة"، أقسمت على رأس الشهيد أن تبقى عذراء تهب نفسها زوجة للبلد العظيم.
قضم فأر الزمن  سنوات من عمرها و هى  قابضة على جمر العهد، قطعت نسبها ببنات عشتار رمز الخصوبة في الحضارة السومرية، حوراء بصرية لها عين مها وحشية، تتكسر أمام شعاعها نظرات تحمل الإعجاب و التمنى، تخطو بين شباك الصيادين كطير الحرم، شعارها لا مساس تغلق نوافذ الخيال في وجه أي طالب، راغب في رطب نخلة ارتوت من عذب  الفرات.
خلف الشاشة تابعها – بقلب واجف - كوزان الذهب؛ حلل من خلال سياحته بين شرائط الفيديو مفاتيح شخصيتها، فتش في مراجع علم النفس عن مدخل يضع أمله في الارتباط بها أمام قطارها المندفع نحو مقبرة العنوسة دون أن يتوقف في أى محطة.
اختار توقيت الصدام، لحظة صعودها قمة نشوة تألقها، ظهر ـ بغته - في مواجهتها، كسر زجاج ثقتها، هز عمود خيمة توحدها مع ذاتها، التقاها خارجة من الاستديو في زفة من نساء يحطن بها، يُفضن عليها بعبارات التمجيد، ينفخن في غدة الغرور لديها فتزيد تورما و التهابا، اعترض طريقها بكامل أناقته، وضع إبره ساخنة في بالون نرجسيتها، خاطبها  بسخرية:
-        ما أبعد أقوالك عن الأفعال!
حدجته بنظرة اخترقت مخزن سكينته، أوقعت زلزالا في داخله ُيقدر بعشر درجات بمقياس ريختر، سادت لحظات صمت قطعتها بسحب المسدس من جرابه، شدت  الأجزاء في حركة استعراضية، وضعت فوهته عند منبت شعره، رمته بعبارات العمالة للفرس، قبل أن تضغط على الزناد، لوح في وجهها بميدالية ذهبية حصلت على مثلها؛ أشعلت سيجارا كوبيا، تكونت خطوط من الدخان رسمت خط هدنة – مؤقتة - بينهما، لملمت عباءة غضبها، أعطته ظهرها، غادرته بصحبة زمرة من حاملي الكير يسكبن النفط على النار المتأججة.
وصلت رسالته- طعنته الأولى إلى مستقرها، حطمت ميكانزمات دفاعها، أربكت قدرتها على الهجوم المضاد، شعر أنه اجتاز العقبة بنجاح.
أغلقت غرفة ذاتها المتضخمة علي إحساسها بالمهانة، شرعت في إجراء موجة من الإتصالات الهاتفية تجمع ما تيسر من معلومات عنه، لم تتوقع ما أعد لها لتشتيت فكرها في المرحلة الثانية من خطته لخطف قلبها... نشر  مقالا كاملا عن تضحيات المرأة شعرت من سطوره أنه يقصدها بكل كلمة، ينتقد رهبنة فتيات حرمن الوطن من أرحام خصبة، تنجب أبناء يرفعون سؤدد مجده؛ فجر ديناميت شهوتها في الانتقام، زاد من ألمها عدم قدرتها على الفتك به، ظهرها للحائط، ليس في جراب كيدها سوى حل وحيد، مد جسور التواصل معه؛ تلقف الخيط، وضعها على حرف بين الصد و القبول، راوغها بشعرة معاوية، انتزع من أنياب كبريائها موعدا للقاء.
ارتدى في مواجهتها قناع فارس، بطل معركة استرداد الأرض، من حافظ على علم بلاده و صورة الزعيم، عاد بهما، واضعا روحه على كف الهلاك بعد فناء القوة المدافعة عن الميناء.
فشلت في بيع بضاعة التضحية لتاجر محترف في تسويق المواقف، لم يقل لها أنه لم يشارك في صد الفرس، أنه كان رديفا في المؤخرة مع عمه القائد الخطير، و أنهما بعد انقشاع الغبار، سقوط الموقع, ظلا هاربين خشية المحاكمة بتهمة التقصير،  أطلق الرصاص عليهما عقابا حتى وجدا ضالتيهما، ثبتا قوة استطلاع - من زملائهما - تتحرك بحذر في منطقة مفتوحة؛ أظهرا للجنود بعد السيطرة عليهم علم البلاد و صورة المهيب، نسجا من خوارهما  بطولة الحفاظ على رمزيّ الدولة.
انفتحت آفاق عقلها المغلقة بالمتاريس و العوائق بعد أن  توقفت الحرب، ُأعلن عن انتصار البوابة الشرقية على أطماع أحفاد المجوس؛ صارت أكثر ودا،  بساطة و  جمالا.
تدفقت  مياه الحب تعيد الحياة للبحيرة, ظن أنها أدركت خطأ  وعد كاد يسرق عمرها ، مع  تنازع أبناء عمها على المليون دينار هبة الحكومة لكل أسرة قدمت فردا منها لأجل الوطن، تنازلت لهم برضا عن نصيبها كرشوة ليقبلوا منها خيانة علنية مشروعة لعهد تخطاه الزمان.
ارتباطهما أصبح حديث المدينة و مسألة وقت، توردت وجنتاها  بدم صبا يجرى متجددا في عروقها، أهملت برنامجها الحماسي في التلفاز، انحسرت عنها أضواء الشهرة، أسلمت كفيها لقرصان ظن أنه سلبها  إرادتها، أفقدها عشقها  لتمجيد ذاتها.
جاء شهر آب – أغسطس – كعادته منذرا بالعذاب،  دقت طبول حرب جديدة، رقص قلبها نشوة على إيقاعها، حشرت أردافها فى بنطال الجيش الشعبى،  خطف غراب ينعق بالخراب فرحته، أفشل وعيد بوش خطة أوشكت على الاكتمال بدخولها حظيرته، تنمرت، أفقد عقلها اتزانه وهج  الأفق المكفهر، شحذت بطاريات النضال من خلف الميكرفون، عادت للشاشة ترعد كأنها أنثى الأسد،   تستعجل وقوع  المواجهة قاصمة الظهور.
جمعتهما العاصفة على مائدة العشاء الأخيرة؛ قدم لها عرضا يتناسب مع حماستها، رحلة إلى أوربا تشرح فيها موقف بلدها لمن يحشدون قواتهم لرد عدوانه و يقضيان شهر عسل؛ انتفضت، صار غضبها لكمة أعمى غيرت ملامح وجهه، أسالت الدم من فتحاته.
غادرت المكان بعد أن أطلقت دفعة من رشاش روسى تضعه بزهو قاتلة في أفلام رعاة البقر تحت إبطها.
أحاط به رواد المطعم، تسكن أرواحهم كثفا من أسى لا يقدرون على إظهاره، مسحوا عن  وجهه بقايا شوربة ساخنة كوت لحمه، تركت بقعا محترقة كأثر للذكرى، جففوا ملابسه، غسلوا جراحه  بماء الورد.
أفاق على  مأساة تنتظره، يريد حياتها و تهوى أن تشرب في جمجمته نخب طيشها، عشقها لأصوات المدافع و صرخات الثكالى  تفوق رغبتها في الحياة.
يحمل لها بين جوانحه مشاعر حب تفوق هيام قيس بليلى، يود لو سار إليها ركع بين يديها، قبل ترابا يدوس عليه حذاؤها، ركب معها ظهر دبابة، اقتحما الصحراء، نصبا خيمة العرس في بادية السماوة، يكتبان بعناقهما بداية أم المعارك، يخبئها بصدره مع بداية الهجوم، يواجهان الموت أثناء الغارات بالقبلات الصافية، يتحصنان  بكهف الأمل  حتى نهاية المواجهة.
ذهب إليها مرتديا البدلة المموهة، فرد - على باب الإستديو-  ذراعيه لاحتضان عنادها، ضم لوحا من  الثلج و البارود، كلماتها كرات من النار أشعلت  قصر حلمه، احترق أمله، لحقته  الهزيمة في ميدان الغرام، شطرته بحد سيف لسانها: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.

أستقل سيارته سار بها خائفا يترقب، قرر الفرار من أرض العامرية، يتركها تتخبط في جنون حرب تلد حروبا، انطلق بحذر، يقطع مدقات رملية في مغامرة غير مضمونة ليفلت من قبضة  راهبة أبلغت عنه سلطة لتنفذ فيه حكما بالإعدام لرفضه نيل شرف القتال في أم المهالك.