مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

قُروح على مَشاعِر مُشوَّهه بقلم: إيهاب بديوي (مصر)

قُروح على مَشاعِر مُشوَّهه
بقلم: إيهاب بديوي (مصر)
استهل يومه المختلف بضرب زوجته بعنف رغم أنها كانت قد استسلمت لفورانه طوال الليل دون أن تعترض كعادتها، شيء ما مختلف فيها، قتله الشك و عبثت الظنون بكيانه، هل تخونه؟ هل بادلت شباب الحي الفقير النظرات و الضحكات؟ هل تحولت إلى عاهرة؟ شيء مختلف فيها الليلة، لم تطلب منه أن يتوقف، اقتسمت معه حبة المنشط، شاركته السيجارة و هو في قمة النشوة، لم يتوقف عن ضربها حتى بعد أن سالت الدماء من شفتيها، تحول الأمر إلى لذة، امتص الدماء من على شفتيها فاستثير من جديد، ألقاها على الفراش و بدأ في تعذيبها بطريقة مختلفة، لم يشعر بها و قد غابت عن الوعي، هدأ أخيرا، مسح على شعرها المجعد و تأمل في وجهها المرهق الممتلئ، مر ببصره على جسدها العاري غير المتناسق، قارن بينها و بين النجمات المتألقات في الأفلام المنحرفة التي أدمنها، نفث دخان سيجارته على جسدها و قام ليستعد للعمل، أخذ حماما سريعا فلحقته و جهزته و أعدت له ملابسه البسيطة، طلب منها أن تتوجه بالأطفال إلى بيت أسرتها لأنه لا يطيق رؤيتها، نظرت له طويلا ثم أومأت برأسها و دمعة حارقة على طرف عينها، لم يلحظها لأنه تعود ألا يهتم بتفاصيلها منذ فترة طويلة.
نزل إلى عمله الفني الحكومي مفتقدا لشيء ما. دخل في وصلة مزاح طويلة مع أقرانه و حكى كل منهم مغامراته مع زوجته في الليلة السابقة، كان أكثرهم صراحة و فجاجة، انهالت عليه التعليقات الساخرة من دمامة زوجته و شدة نحافته، تحول المزاح إلى غضب عارم اعتراه من الداخل، هاجمهم بعنف ناعتا زوجاتهم بالعاهرات، أصابت الكلمة الجميع بالصدمة فتوقفوا عن الضحك، إلا أحدهم استمر في السخرية منه و من قبح زوجته حتى أثاره فانقض عليه يضربه، دارت بينهما معركة صغيرة حسمها الآخر بجسده الضخم سريعا و ألقاه أرضا، تدخل الباقون بعد انتهاء المعركة، نزلت الدماء من شفتيه فأثارته من جديد، جاءه أحدهم يمسح الدماء بطريقة زادت إثارته، تبادلا نظرات عميقة لم يفهمها من حولهما، ربت على كتفه برقة و نعومة زادت إثارته، دفع يده بعنف و خرج قبل أن يكتشف أحدهم ما يحدث له فيزيدون الضغط عليه و نشر الإشاعات حوله.
مر يومه و أفكاره لا تنتهي، ماذا تفعل زوجته الآن؟ مع من تعبث؟ هل هو البقال الذي لا يترك سيدة في الحي دون التعرض لها؟ أم تراه بائع الخبز مفتول العضلات، الاحتمال الأرجح هو ابن صاحب المنزل الجزار، شاب متلون متفاخر يحضر للمنزل دوما بحجج مختلفة و علاقاته معروفة مع كثير من الفتيات، لكنه يفضل الجميلات؟ لا يهم، لا يمكن أن يستمر الشخص في تناول الجاتوه طوال الوقت، لكن ماذا لو كان هو حقا؟ كيف سيتعامل معه؟ والده يمتلك نصف الشارع و هو معروف بالشر و السطوة، عاد ليبتسم، ليته يكون هو، على الأقل سينعم مع أولاده باللحم طوال الوقت.
قطع تسلسل أفكاره مَن ضربه في الصباح، جاء يعتذر منه، ابتسم له و اعترف بأنه أخطأ و تجاوز، صمم على دعوته لتناول مشروب منتصف اليوم، ذهب معه إلى تجمع زملاء الصباح، وجده بينهم، عادت الإثارة إلى جسده بمجرد تذكر لمسته على شفتيه، تبادلا ابتسامات صامته، فقد لاحظ إثارته هو الآخر، اقترب زميله منه يسأله عما سيفعله اليوم، أخبره أن زوجته خارج المنزل و لا جديد عنده، اقترح عليه أن يتناولا طعام الغذاء في منزله و هو من سيشتريه، ابتسم له ووافق فورا. عاد إلى العمل و هو يعد الدقائق حتى يعود لمنزله.
وقف خارج العمل ينتظر بلهفة خروج صاحبه، سأل عليه آخر الخارجين فأخبره أنه استأذن مبكرا لوفاة والدته.
ضرب الأرض بعنف و غضب و هو يلعن الموت، لم يأبه له محدثه فقد ظن أنه الحزن و غادره ليلحق بالجنازة.
أخذ نفسا عميقا و سار على غير هدى، قادته أقدامه و رغباته إلى حديقة عامة في وسط المدينة، جلس قليلا يلتقط أنفاسه، بعد قليل جلس إلى جواره شخص ما، لم يأبه له وظل عالقا في المنطقة الضبابية التي تركه فيها صاحبه، فوجئ بذلك الشخص يمد يده ويربت على ظهره بنفس الطريقة المثيرة، نظر له طويلا، أربعيني مشوه الوجه حاد الملامح، لكنه يبتسم، لم يحدثه، أخذه من يده و توجه إلى منزله، لا يهم كيف يكون أو من، المهم أن يطفئ النار المشتعلة داخله، مر على محل البقالة فاشترى ما يكفى و يزيد، صعد السلالم المتهالكة حتى شقته و ذكرياته تسابقه يدوس على ذيلها من درجة إلى أخرى، ضرب بقوة و عنف على لحظة البداية حين كان في مدرسته الإعدادية و أقام عليه بعض زملاءه حفلا تكرر كثيرا و انتهى إلى أن أصبح مثلهم، توقف فجأة و نظر إلى الصاعد خلفه، سأله كيف بدأ؟ ظهر الارتياح على وجه الآخر و هو يجيبه أنه بدأ في السجن منذ سنوات حين دخله صغيرا متهما بسرقة قطعة حلوى و وضعوه في سجن الكبار فأقاموا عليه حفلات استمرت حتى خرج و تعود عليها.
دخلا الشقة فطلب من ضيفه أن يأخذ راحته ثم دخل إلى غرفته و قد قرر الاستمتاع بكل لحظة ليستعيد ذكرياته مع أصدقائه الذين تفرقوا بين تائب و متوف و مسافر و مكتف بصديق واحد.
أحس بالحركة خلفه بعد أن وصل إلى غرفة النوم فطلب من صاحبه أن يصبر قليلا حتى يستعد، فوجئ بشيء كالمنشفة الرفيعة تلتف حول عنقه، لم يفهم ما يحدث، حاول المقاومة، لكن مهاجمه أحكم القبضة عليه و ألقاه على وجهه على الفراش بينما ركبته على ظهره و ذراعاه يشدان المنشفة بقوة و عنف، تأمل للحظات في حياته، مرت الثواني التي تحتقن فيها أنفاسه داخل صدره و تتسارع دقات قلبه مستنجدة بينما تتجمع ذرات روحه من كل مكان في جسده، مرت عليه تلك الثواني أطول من عمره كله، سار على الأشواك التي ملأت حياته منذ أصبح مختلفا يخفي في داخله عذابات و صراعات يومية لا تنتهي، دمعت عينه و هو يسير على جمر النار في علاقاته بمن حوله ليخفي سره، زوجته أول من شعر بالشيء الغامض، لكنها لم تسأله أبدا، كما توقفت عن المقاومة حتى استسلمت، نعم، يوم استسلمت كانت نهايته.
ضاق الخناق على أنفاسه حتى تجمعت روحه عند طرف حلقه، توقف هو أيضا عن المقاومة، لاح له أمل من بعيد، سيموت مقتولا، على الأقل ستهيم روحه المعذبة في المكان و سينتظر القصاص من قاتله، هناك ضوء خافت في نهاية النفق المظلم. ابتسم أخيرا، امتزجت ابتسامته بروحه التي خرجت مترددة خائفة مرتعبة، تجسدت الخطيئة في أشباح سادوم المتراقصة تنتظره على أطراف البعد الآخر، توقف الجسد المرهق عن الحركة.