المشاركة رقم 3
الموت عشقا
بقلم/ محمد نجيب مطر ـ مصر
دخل الطلاب معمل الأجهزة في كلية الطب، لينفذوا التجربة المقررة عليهم
اليوم، و هي تشغيل جهاز رسم القلب؛ قام المشرف بتشغيل الجهاز، ثم اختار أحد الطلاب
للرقود على طاولة الكشف؛ كشف عن صدره، نظف بعض المناطق، وضع الكريم، ثم ثبت
الأقطاب عليها؛ اثنان في الصدر، و واحدة في القدم، قام المشرف بتشغيل الجهاز؛ ظهر
رسم القلب واضحاً على الشاشة، ثم ضغط المشرف مفتاحاً فطبع الرسم على ورقة في
الطابعة، بدأ في شرح مناطق الرسم و كيف يظهر المشاكل الموجودة في القلب... ثم أدخل
مريضاً بالقلب تم استقباله من المستشفى الجامعي، و فعل نفس الخطوات، ثم جعلهم
يقارنون بين رسم القلب الخاص بالطالب و رسم المريض، ثم ناشد المشرف طلابه أن
يعيدوا التجربة على طالب آخر و أن يكتبوا تقريراً عن المشاكل المحتملة في قلبه. ثم
تركهم لإجراء تجربتهم، و إعداد تقريرهم، و مضى إلى مكتبه، على مقربة منهم.
نادى الطلاب على زميلهم (الدسوقي)، و رغم أنه كان في صحة و رشاقة، إلا
أنهم أرادوا اختبار قلبه، لأنهم يعلمون أنه خارج لتوه من قصة حب فاشلة، فقد تمت
خطبة حبيبته إلى أحد أعضاء هيئة التدريس بالكلية، و وافق أهلها لأن مركز الخاطب
مرموقا، و أحواله المادية مستقرة و شقته جاهزة، لا ينقصها إلا العروس، كانت حبيبة
الدسوقي فتاة خجولة، ذات بشرة بيضاء مشوبة بحمرة خجل عندما تتحدث مع أي زميل لها؛
فتظهر عليها علامات الطيبة المفرطة، عندما تنظر إلى وجهها لا تحس سوى بالسلام يغمر
الدنيا، كان الدسوقي بسيطاً لماحاً ذكياّ صاحب نكتة و طرافة، يحب كل الناس و كل
الناس تحبه، تصاحبه البسمة أينما حل و ارتحل، حسن الهندام في بساطة، يرتاح إليه
المتعب، و يجد عنده الراحة كل مبتلي، شهد الجميع بحسن خلقه، و حسن خلقته رغم بروز
صغير في الأنف يجعل له شكلاً متميزا، و من فرط إعجاب زملائه به؛ قالوا عنه ابن
موت.
أحب زميلته و أحبته، و لاحظ الجميع تلك النظرات و التلميحات، ثم تطور
الأمر إلى جلسات منفردة طويلة، و رغم ذيوع الخبر و انتشاره، أصر عضو هيئة التدريس
على خطبتها، عندئذ انكسر الدسوقي و حل الحزن على وجهه الضاحك، فاختاروه دون غيره
للكشف على قلبه، بعد أن ظلوا يمزحون، بأن قلبه احترق و لم يعد في موضعه.
رقد الدسوقي، ثبتوا الأطراف على صدره و قدميه، و قاموا بتشغيل الجهاز؛
فلم فلم يُظهر رسم الموجات أي صورة؛ قاموا بإزالة الأقطاب و نظفوا مكانها، ثم
وضعوا الكريم مرة أخرى، و أعادوا التجربة؛ فلم تظهر أي صورة!... أخذ الطلاب
يتضاحكون و يغنون: دسوقى قلبه احترق... دسوقي قلبه احترق...
سمع المشرف تلك الضجة؛ فقام من فوره و عنف الطلاب، و سألهم عن
المشكلة؛ فأخبروه؛ فأعاد التجربة بنفسه، فحصل على نفس النتيجة، قاموا بتغيير
الطالب فأعطي الجهاز صورة ممتازة لرسم القلب، ثم أعاد الكشف على الدسوقي فلم تظهر
أي رسوم، حاول الدكتور قياس عدد نبضات القلب؛ فلم يحس له بأي نبض، انتقل الدكتور
بسرعة إلى جهاز رسم المخ، قام بتشغيله و عندما لم يجد أثراً لأي رسم، قال: إن المخ
الذي يعطي الأمر للقلب لا يعمل!؛ اندهش الدكتور و قال له (ضاحكا): لو كنت عندي
بالمستشفى، لمنحتك ـ و أنا مستريح الضمير ـ شهادة وفاة، ثم أخبره أن هناك شيئاً
غامضاً في القلب و المخ لابد من إماطة اللثام عنه.
خرج الطلبة من المعمل، و هم يحملون الدسوقي على أعناقه،م و هو يضحك و
في عينيه حزن عميق، و يهتفون : دسوقى قلبه احترق... دسوقي قلبه احترق...
كانت حبيبته خارجة من المدرج؛ رأت هذا المنظر فانحدرت من عينها دمعة
رغماً عنها.
اليوم لم يحضر الدسوقي للكلية؛ أنابت عنه الورقة المعلقة في ركن
الإعلانات، المكونة من ثلاث كلمات: البقاء و الدوام لله.