عيد الحب
بقلم: أحمد بادو
(المغرب)
رغم أن الطابور
مشتت، إلا أن كل واحد يعرف متى يتقدم، حين يحين دوره، أمام الباب الصغير الضيق.
شبان و مسنون، شابات و مراهقات، محجبات و سافرات، ملتحون و حليقو الرأس و الذقن.
وجد سليمان
صعوبة كبيرة، في استيعاب أنه هو نفسه في الطابور المشتت. سليمان المقبل قريبا على
شيخوخة غير مرحب بها، مثل ضيف ثقيل، سليمان بجلبابه الأخضر و طربوشه الأحمر، يتقدم
من الباب الصغير الضيق، يقف أمام الشاب – الذي بالكاد يستوعبه الدكان الصغير-
محاطا بالورود الحمراء، الصفراء و البيضاء. يبتسم بائع الورد اليتيم بالمدينة
المرمية في قلب الصحراء. يشير سليمان إلى وردة كبيرة عريضة حمراء.
و قبل أن يدخل
المفتاح في جوف قفل الباب، تفقد سليمان الوردة العريضة الكبيرة الحمراء، شم
رائحتها و قبلها بمقدمة شفتيه.
في الداخل،
يزداد تثاقل سمع ماريا، كل يوم تبدو الحركات أكثر صمتا من قبل، تجلس على كرسي خشبي
في الشرفة، تولي ظهرها جهة الباب. تحتضن صورة بين يديها الدافئتين، في صورة الأبيض
و الأسود، شاب وسيم بقميص أبيض، شعره المحير بين الأسود و الأشقر، يغطي رأسه في
فوضى جميلة، عيناه متألقتان كطلقة النور في عز الظلمة. تنهدت ماريا:
- عيسى، أيها
المتألم، عيسى، أيها المتألق، ليتني أفنيت العمر في محرابك...
لم يستوعب
سليمان و لم يشأ إفساد خلوة رومانسية، تراجع بحذر، انسل مثل اللص، أغلق الباب
بهدوء شديد.
نظر إلى الوردة
العريضة الكبيرة الحمراء، نزع عنها غلاف البلاستيك الشفاف، طرحها أرضا، رفع رجله
اليمنى و هم أن يسحقها كما تسحق رأس الأفعى، التقط سليمان الوردة الحمراء، مسح
عنها التراب بكم جلبابه، لم يستوعب، قبلها بمقدم شفتيه، مشى في غير اتجاه، تنحبس
الكلمات في حنجرته. لم يستوعب سليمان الوردة الحمراء، ماريا و الشاب الوسيم المحير
شعره بين الأسود والأشقر.
داخل المقبرة
يسود صمت مطلق، تتشابه القبور و تختلف الجثث. وضع سليمان الوردة الحمراء على القبر
الطويل، توسد الشاهد القصير، شهق و زفر، تنهد ثم أجهش ببكاء صامت تختلجه بين الفينة
و الأخرى رعشة عابرة و كلمات مقتضبة و سؤال ظل يتردد في المقبرة بين شواهد القبور
و الجثث:
- لماذا يا أم
سليمان، لماذا لم أستوعب الوردة الحمراء، ماريا و الشاب الوسيم المحير شعره بين
الأسود والأشقر؟!.