مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

آل جحش بقلم: عبد القادرلحميني (المغرب)

آل جحش
بقلم: عبد القادرلحميني (المغرب)
     قمة الجبل لَخْضَرْ تخفيها قامة أمي و أنا أمشي خلفها صعودا، أكره كلمة (أتان) ربما لأنها لا تستوعب لغتي، و عندما أذكر تلك الصورة التي تحتفظ بها ذاكرتي عن تلك المسارب و الممرات الشائكة و الوادي الناشف، أقول كيف لقامة نحيفة أن تخفي الجبل!...
     بين الوجوه الهائمة، أرى صورتها، و هي تمشي متمايلة، و الريح تعبث بشراعها تارة إلى الأمام و تارة إلى الخلف، و أجد نفسي متوهما أعانق الفراغ، و تختفي "النوالة" المبنية بالقش من الصورة و الحوش الذي يمنطقها إلى الأبد، و أنا أمشي خلفها في ذلك الوقت، كانت أصوات المتهكمين تصفعني كحبات البَرد، أراهم يقولون: لا يمشي خلف أمه إلا الجحش، تبتلع أمي الطعم كأتان بالغة، ألفت النغز و اللكز و العثرات، بينما أنا أحيد عن المسرب و أجلس وسط الأشواك لائذا بالبكاء... تمدني بقطعة سكر أو كسرة خبز مغموسة في الزيت، و تحت ظل حائط الحوش أو في صدر "النوالة أم ُّ قُبْ"، تقول لي: بعد هذه الغيبة لابد لأبيك أن يُطِل، و يرمي برجله من باب الحوش...
    عِشْتُ معطفا ذابلا على ظهور الأجاود كالقراب، في "الضاية" تسعفني علاقاتي القديمة، الخبز يأتي، لا مشكلة، و التحايا و السجائر و الأيام، ما يميزني عن البقية لقبي القديم اللقلاق كما معطفي الأسود، لست أدري، لماذا الأشياء التافهة، كهذه ، تطاردني، و ترميني بهدلة، الخبز يأتي، و جثة سؤال يلفظها نهر ذاكرتي العميق، طافية من بين أسئلة أخرى غابرة في القعر، هل أنت عائشٌ؟!، هل تحيا بالخبز و التحايا و الأيام و السجائر، أبوك لم يرم برجله من باب الحوش، نَسِيت قطعة السكر و كسرة الخبز المغموسة في الزيت و ظل حائط الحوش و صدر" النوالة أم ُّ قُب"، و تلك الأيام، من يرمي "النوالة" بالحجر؟؛ كانت  تجيبني أمي باقتضاب: السماء يا ولدي...
   المهنة التي أتقنها، التزلف، " الضاية "، مدينة صغيرة، كلها عشائر و عائلات أوحال، بين بني كذا و آل كذا، لا ضفادع تنقنق خارج البركة، سألت صديقي الخراز: من أي عشيرة أنت؟، قال لي: من عائلة الثقب و الخيط !، و عندما، أخيط الجلد مع بعضه لا أبحث له عن نسب!، قلت له: و الذي لا يعرف؟؛ قال لي: يتبع الخرز أو المنافذ، و أنا أمشي خلفها هبوطا، تختفي من أمامي قامتها النحيفة وسط الأشواك ، و أبقى حائرا، مع الهوة السحيقة للوادي الناشف، تلتفت إلي ، على مهل...على مهل، هي ما تبقى من امرأة قديمة تعيش زمنها القريب، على مشارف المنحدر، سعيا بين فم الحوش و فم "النوالة أمُّ قُب"، ، ، ترقب طلوع شمس يوم جديد من أرض بادية؛ لعل المسارب تلوح لها يوما، من بعيد، بشبح جحش...
ملحوظة:
*النوالة: بناء قديم من القش و التبن
*الحوش: الفناء الذي يحيط ب"النوالة"

*الضاية: مدينة صغيرة "فيلاج" من وحي الكاتب