آل جحش
بقلم: عبد القادرلحميني (المغرب)
قمة الجبل لَخْضَرْ تخفيها قامة أمي و أنا
أمشي خلفها صعودا، أكره كلمة (أتان) ربما لأنها لا تستوعب لغتي، و عندما أذكر تلك
الصورة التي تحتفظ بها ذاكرتي عن تلك المسارب و الممرات الشائكة و الوادي الناشف،
أقول كيف لقامة نحيفة أن تخفي الجبل!...
بين الوجوه الهائمة، أرى صورتها، و هي تمشي
متمايلة، و الريح تعبث بشراعها تارة إلى الأمام و تارة إلى الخلف، و أجد نفسي
متوهما أعانق الفراغ، و تختفي "النوالة" المبنية بالقش من الصورة و
الحوش الذي يمنطقها إلى الأبد، و أنا أمشي خلفها في ذلك الوقت، كانت أصوات
المتهكمين تصفعني كحبات البَرد، أراهم يقولون: لا يمشي خلف أمه إلا الجحش، تبتلع
أمي الطعم كأتان بالغة، ألفت النغز و اللكز و العثرات، بينما أنا أحيد عن المسرب و
أجلس وسط الأشواك لائذا بالبكاء... تمدني بقطعة سكر أو كسرة خبز مغموسة في الزيت،
و تحت ظل حائط الحوش أو في صدر "النوالة أم ُّ قُبْ"، تقول لي: بعد هذه
الغيبة لابد لأبيك أن يُطِل، و يرمي برجله من باب الحوش...
عِشْتُ معطفا ذابلا على ظهور الأجاود
كالقراب، في "الضاية" تسعفني علاقاتي القديمة، الخبز يأتي، لا مشكلة، و
التحايا و السجائر و الأيام، ما يميزني عن البقية لقبي القديم اللقلاق كما معطفي
الأسود، لست أدري، لماذا الأشياء التافهة، كهذه ، تطاردني، و ترميني بهدلة، الخبز
يأتي، و جثة سؤال يلفظها نهر ذاكرتي العميق، طافية من بين أسئلة أخرى غابرة في
القعر، هل أنت عائشٌ؟!، هل تحيا بالخبز و التحايا و الأيام و
السجائر، أبوك لم يرم برجله من باب الحوش، نَسِيت قطعة السكر و كسرة الخبز
المغموسة في الزيت و ظل حائط الحوش و صدر" النوالة أم ُّ قُب"، و تلك
الأيام، من يرمي "النوالة" بالحجر؟؛ كانت تجيبني أمي باقتضاب: السماء يا ولدي...
المهنة التي أتقنها، التزلف، " الضاية
"، مدينة صغيرة، كلها عشائر و عائلات أوحال، بين بني كذا و آل كذا، لا ضفادع
تنقنق خارج البركة، سألت صديقي الخراز: من أي عشيرة أنت؟، قال لي: من عائلة الثقب
و الخيط !، و عندما،
أخيط الجلد مع بعضه لا أبحث له عن نسب!، قلت له: و الذي لا يعرف؟؛ قال لي: يتبع
الخرز أو المنافذ، و أنا أمشي خلفها هبوطا، تختفي من أمامي قامتها النحيفة وسط
الأشواك ، و أبقى حائرا، مع الهوة السحيقة للوادي الناشف، تلتفت إلي ، على
مهل...على مهل، هي ما تبقى من امرأة قديمة تعيش زمنها القريب، على مشارف المنحدر،
سعيا بين فم الحوش و فم "النوالة أمُّ قُب"، ، ، ترقب طلوع شمس يوم جديد
من أرض بادية؛ لعل المسارب تلوح لها يوما، من بعيد، بشبح جحش...
ملحوظة:
*النوالة: بناء قديم من
القش و التبن
*الحوش: الفناء الذي
يحيط ب"النوالة"
*الضاية: مدينة صغيرة
"فيلاج" من وحي الكاتب