مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

شمس يراوغها السحاب بقلم: عوض سعود عوض (فلسطيني مقيم في سوريا)

شمس يراوغها السحاب
بقلم: عوض سعود عوض (فلسطيني مقيم في سوريا)
• إذا كان للمرأة ثمن و هو مهرها، فإن مهر كثير من الرجال أرخص من أيِّ مهر.
الرحلة الأخيرة
جاءتك و المرح في عينيها، و الربيع في ابتسامتها، مدت يدها و صافحتك، غلت المياه في القدور. تفحصتك طولاً و عرضاً، بدا التأثير عليها، كادت تبكي، أحسستَ برجفة في جسدها، و خفقان قلبها، ودت لو تهرب، و لا تقف هذا الموقف، و تحتفظ بكلماتها في سرها، إلا أنها تماسكت و قالت: هذه آخر مرة آراك فيها، لقد خفق قلبي، و نحن ممنوع علينا العشق، لن تراني بعد اليوم، و إن صادفتني ابتعد عني، أتمنى لكَ السعادة.
الرحلة الثانية
دخلت شمس بقالية؛ ثم سوبر ماركت، اشترت حمولة سيارة إلى بيتها، حملتَ معها بعض مشترياتها إلى مؤخرة السيارة. أحستْ بتعاطفك، سألتها كم دفعتِ؟
- ما دفعته يساوي نصف راتب موظف من الدرجة الأولى، أو ما تحصله في أسبوع. اليوم ليتنا نلتقي مع العائلات الراقية في كمية الشراء و نوعيته، و بأمور كثيرة، في سهراتهم تحدث أمور شبيهة بما يحدث عندنا: التعارف و تبادل العناوين و الهواتف و الرقص و المعاشرة و حتى تبادل الزوجات، و مثل هذا يسمونه حرية و تقدماً، و دعارة عندنا.
تقرأ أفكارك، تطمئنك و تقول: أنت ترى أن ما أفعله عيب، أو أنك غير معتاد عليه. حريتي ملك يميني مثل أيّ سيدة راقية. أنا ربة البيت، الكلمة الأولى و الأخيرة ملكي. هل تعلم أنني قادرة على التصرف أكثر منك. هل أنتَ قادر أن تتأخر عن بيتك بعد ساعة معينة، أنا أفعل ذلك و لا أحد يملي عليَّ، أنا من تخاف عليهم من الملل و القعود في البيت، واحدتنا تعمل و هي تؤمن أنَّ الإنسان يأتيه نصيبه وقسمته إلى عنده.
ما قبل الرحلة الأولى
تركتُ المدرسة بعد الصف السادس مثل باقي بنات جنسي، صرت مطالبةً أن أفترع الشوارع، وأن أدخل البيوت، أن أصادق الرجال و أتعرف عليهم. همت على وجهي، لا أعرف شيئاً عن مكر الحياة، علمني الرصيف ظلم الناس، و كيف أتعامل معهم. أسمع كلماتهم و أتابع طريقي، أدعو الجاهل أن يحترمني كإنسانة، أن يحترم تقاليدي كما أحترم تقاليده، فأنا لا أملي عليه شيئاً، كيف للقطة أن تجبر الذئاب ألا تهاجم، يتصورونني بضاعة، و هم بحاجة إليها أكثر من حاجتهم إلى زوجة، أما أنا فبحاجة إلى من يقدرني، لمن يدفع عني الظلم و الكبت، و ألا يتعاملوا معي كورقة نقدية، ناسين أن ورقتي لم تطبع بعد، حركة غنج واحدة؛ و هزة خصر تجعلهم يركعون، هاهم الرجال أسعارهم بخسة، بإشارة واحدة يزحفون.
الرحلة الرابعة
في كلِّ مرة أوصلها؛ لا آخذ كامل الأجرة كما اتفقنا، هذه المرة رفضت أخذها و ودت العودة بسرعة، إلا أنها استمهلتني و طالبتني أن أنتظر. دخلتْ الحمام و خرجت منه بعد حوالي نصف ساعة امرأة أخرى، و كأنها خارجة من أبي رمانة، تركتْ شعرها الناعم مفروداً على ظهرها، و ارتدت ملابس تشف عن جسد بلوري، تتمايل و تترنح و تبتسم، دبت الحماسة في جسدها، فأشتعل المكان بخصرها المكور كورقة بيضاء رقيقة. أحضرت القهوة المرة و قدمتها بنفسها، جلست قبالتي و هي تضع رجلاً فوق أخرى، قالت: ستتناول الغداء و تسهر معنا.
لم أستطع الرفض، و لم أقدر على اختراق أعماقها، و ماذا تخطط؟ المصيبة أنني لا أملك نقوداً كافية لمثل هذه السهرة. أحست بحرجي طمأنتني: أنا لا أريد منك نقوداً، و لا أي شيء، أنتَ كريم و أنا أرد لكَ كرمكَ، أحببت أن أفرحك، أن أغير ما اعتدت عليه، أن أمنحك ذكرى لن تنساها طوال عمرك. أخبرت الرجال أن يتركونا، فغادروا و كأن شرطياً أمرهم أن يخلوا المكان. نظرت إليَّ و أضافت: بعد قليل سيقدمون الطعام و الشراب... الليلة رقص و فرح و غناء، و ستراني كما أريد أن أرى نفسي.
لوحت بيدها؛ فارتفعت الحناجر بالغناء، بينما بدأت النسوة بالرقص شبه عاريات، أما الرجال فقرعوا الطبل و الزمر و الربابة. تلوت الأجساد، هاجت و ماجت، و غدا جسد شمس أكثر تألقاً و نضارة، و غدا نهدها أكثر صلابة و نفوراً. غدت بركاناً، وبدت كلُّ الطرق إلى المدينة سالكة. الزمن رفيقك هذه الليلة، أمسكت يدك و دفعتك إلى الحلبة، بينما رنين الشناشل و الخلاخيل و الكؤوس تنطلق في الفضاء. سؤال يحضرك: لماذا تسهر معك دون مقابل، و لماذا قدمت من الطعام و الشراب؛ ما أعجز عن إحضاره في بيتي؟!.
أجابت عن أسئلته قالتْ: ذهب الزمن الذي اقتات فيه الرجال من لحمي، لم يعد جسدي في المزاد. كنت مجبرة أن أتلقى عضة الكلاب بابتسامة.
الرحلة الأولى
امرأة ذات جسد مرمري و قد أهيف؛ سبحان من أعطاها الطول و الملاحة، ترتدي عباءة لتخفي أسرار جسدها فتغطيه بالكامل، لم تتجاوز العشرينات، تمدُّ يدها للسيارات، لا تبارح مكانها من الصباح حتى العصر. تحاشيتها غير مرة، و تجنبت الوقوف قربها، حتى جاء يوم و أرغمتني زحمة السير أن أقف عندها. أسرعتْ و طالبتني أن أوصلها إلى بيتها، و لأتملص منها طلبت مبلغاً، ظننتُ أنها عاجزة عن دفعه، صعدتْ و جلست في المقعد الخلفي، و بدأت مزاحها، بانت على غير ما توقعتها، امرأة مزهرانية، لا تدعني أغفل لحظة عنها، تدردش، تسأل و تجيب، تبتسم و في عينيها فرح. وصلنا البلدة و تخطيناها، سألتها أين بيتك يا شمس؟!.
تبتسم و ترشدني إلى الطريق الذي عليَّ أن أسلكه، وصلتُ إلى بداية البساتين، غير بعيد عن ناظري بيت حديث البناء، يستحيل سكنها في بيت يشبه الفيلا، مسور بالورود و الأرض الزراعية، استمررت في طريقي، إلا أنها طالبتني أن أدخل السيارة إلى البناء.
- انزلي هنا يا شمس، أنا أساعدك بنقل مشترياتك... لن أدخل بوابة البناء ماذا يقول صاحب البيت!.
- ادخلها على مسؤوليتي، لقد انتقلنا من المشاعية، و طلقنا بيت الخيش؛ و الدوران على البيوت، إلى بناء بيوتنا، فصار الناس يأتوننا طالبين مساعدتنا، نحن ورثنا أشياء كثيرة، منها ما هو سيء، لكن على العموم حياتنا مستقرة، و لا نشكو من شيء سوى النظرة غير العادلة. ورثنا عن أمهاتنا العمل بكلِّ همة و نشاط، و ألا تعود واحدتنا إلا و جيوبها ملآنة فرحاً، إذ عندما تصير الفتاة في سنِّ البلوغ؛ تذهب و تبحث عن حظها في الطرقات، و تحت المطر، أو تحت أشعة الشمس. اليوم مادمنا نملك الأرض و البيت، فنحن أسياد المكان، أما ما تصفونا به؛ فكم في مجتمعكم من فساد و عهر يختبئ تحت جلودكم، نحن رضينا في الماضي بالقليل، و كانت خيامنا مهددة بالاقتلاع في أيِّ لحظة، أما اليوم فلا خيام و لا ذلَّ، لا يقصدنا إلا الذين يحبوننا، يجدون عندنا كلَّ المسرات و الأفراح و الليالي الملاح. نمد ضفائرنا بساطاً لهم. الكرم عادتنا، ولا نستقبل إلا الكرماء. المجتمع بحاجة إلينا، و نحن بحاجة إلى أناس يعشقون الفن. أنا أنثى صنعت عالمي، و غدوت سيدة نفسي؛ و سيدة المكان، و سيدة ضيوفي.
رحلة بلا رقم
انتظرتها على الرصيف، جاءت و هي مرتدية عباءتها، خلعتها لحظة وصولها إليك، فبدت امرأة أخرى ذات قامة فارهة غير قابلة للانحناء، ثغرها مبتسم ووجهها صبوح، أما فستانها فأظهر معالم جسدها، و نحافة خصرها و وردات خديها، و شغفها للحياة، هذا الشغف لا يعرفة إلا من أحبَّ الحياة و الجمال و تمتع بهما. من يراها لا يصدق أنها غجرية، تمد يدها و تطلب العون. أحرجتها في بعض أوصافك فانبرت لتدافع عن ذاتها قالت: مدُّ اليد ليس عيباً؛ الكل يمدُّ يده، أنتَ تمد يدك لتأخذ الأجرة، و صاحب المطعم يمدُّ يده ليستوفي ثمن الفاتورة، الموظف كذلك و البائع و الصيدلي الذي يعطي الدواء، كلهم يفعلون ذلك، و أنا أمدُّ يدي مثل غيري، و من حق الناس أن يملؤها خيراً، أو يكفوا عن ذلكَ. مددتَ يدك إلى جيبك و حاسبت صاحب مطعم الربوة، و وضعت باقي المبلغ في يدها.
رحلة الإياب
هأنتذا عائد إلى بيتك بعد سهرة حمراء، ماذا ستقول لزوجتك و لطفليكَ؟! زوجتك لم تذق النوم منذ البارحة. بماذا ستبرر لولديك اللذين تمسكا بكَ، و كأنك نازل من السماء؟! باستطاعتك أن تقول الكثير، و هذا ما فعلته، و بدل أن يلوموك تعاطفوا معك.
ما حصل كان مؤثراً، قررت بينك و بين ذاتك أموراً كثيرة، حمدت الله على كلِّ ما حصل. بدا عليك التعب و الارهاق و قلة النوم. فرحوا لمجيئك، و عرفوا مدى حاجتك للنوم و الراحة، احتضنت طفليكَ و غفوت.

2 / 4 / 2016