مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

بطالة بقلم: محمود عبدالله سعيد (مصري مقيم بالكويت)

بطالة
بقلم: محمود عبدالله سعيد (مصري مقيم بالكويت)

دخل بلدته بعد غياب، تحمله خطواته المتثاقلة إلى شارع طفولته و صباه، و ثارت بمخيلته الأحداث، تتسابق بحلبة ذكرياته، و قبل أن يصل إلى بيته بلحظات، لم يجد جيرانه كعادتهم في الجلوس على عتبة بيتهم يرمقون المارة بنظراتهم و تطفلهم، و تدخلهم في شؤون غيرهم و فيما لا يعنيهم، حتى رائحة الشارع تغيرت؛ كانت تفوح رائحة كريهة لا تطاق، من أثر حرقهم لغائط الكلاب و الثعالب و الأحذية القديمة، و كل ما هو نجس و تشمئز منه النفوس، و تذكر مشاجراتهم الشبه يومية، و تجمع القريب و البعيد و القاصي و الداني على الصوت الجهوري للعانستان في بيت جيرانه، و كيف كن يكلن التهم جزافا و اعتباطا لكل الجيران؛ تارة يتهمن جارهم محمد نصرة بأنه سلب أرض أبيهم بالحيلة و المكر، و تارة يتهمن جارهم ابن الحلاواني بعمل الأسحار و الأعمال الشيطانية، لتوقيفهن عن الزواج، و طرد الخطاب؛ قطع شريط ذكرياته، نباح كلبه و تراقصه حوله و قفزه، و وقوفه على خلفيتيه، و كأنه يريد أن يعانقه؛ سمع أهله نباح الكلب؛ فخرجوا مسرعين، خشية أن يكون الكلب قد عض أحد المارة؛ تفاجأوا به عند الباب، و استقبله أهله بالعناق الحار، و بعض قطرات الدموع تنساب على صفحة خد أمه؛ قبلها يديها و رأسها، و سلم علي من حضر من أطفال البيت، و وزع بينهم حلوى كعادته، و جلس ليعطي قدميه راحة تستحقهما بعد صراعهما الطويل مع الطريق، و ضيق الحذاء الجديد، و أخذ يسأل عن القريب و البعيد، و الأفراح و الأحزان، و الجيران؛ فتطرق إلى رأسه الاستغراب من بيت جيرانه، و قبل أن يسأل بادرته أمه فقالت: كلنا بخير و نعمة، حتى جيراننا بخير، منهم من سافر، و منهم من التحق بعمل، حتى ابنتا الجيران اللتان فاتهم سوق الزواج، قد أكرمهن الله بعمل؛ قال: عمل! و قد أتسعتا حدقتا عينيه، و أهطع إليها، و ألقى مرساة مسامعه لها؛ قالت: نعم عملتا في مصنع تغليف و تعبئة السكر، و أجرهن بالإنتاج، فذهب عنه الاستغراب الذي أعتراه لهدوء شارعه، و أخذ يردد الحمد لله الذي أراح منهن الأسماع و الأبصار و الأنوف، بعملهن. أ ه‍ .