حج غير مبرور
بقلم: أحمد فتحي رزق (مصر)
يقوم بدور المرابي دائما في جميع معاملاتة،
في عائلته و بين جيرانة، و حتى زبائنة الفقراء و أغنياء تجارة الخردة.
سيدة تحمل حقائب قديمة مملوءة بأسلاك و بقايا
أوراق و صحف و كتب مدرسية و بعض الأواني حالتها جيدة:
"يلا يا حاج, إوزن كل حاجة لوحدها دى
آخر حاجة عندى ف البيت و الراجل محجوز ف القصر، والله يساعده و يسامحه, البركة فيك
يا حاج".
الحاج منصور: كلة بما يرضي الله ويل
للمطففيين أى والله, هاتي
الورق يا ستنا بجنيه، و السلك بجني ونص و
انتى الكسبانة، أما الحلل هنوزن مرة تانية, إحنا بنخافوا ربنا, أي والله... الحلل
تلاتة كيلو و أهي ناقصة الغطيان؛ يبقى كله على بعضه تلاتة و تلاتين جنية و نص, كلة
بما يرضي الله أي والله.
السيدة: حرام عليك يا راجل هتروح فين من
ربنا، شاطر تروح العمرة و الحج على قفا الغلابة, موش عارفة بتقابل ربنا بأي وش
فيهم, إخص على كدة راجل ناقص و حرامى, هات هات...
منصور: الله يسامحك, إهدى بس و صلي ع النبى,
هنخليهم أربعين جنيه و لا تزعلى, المهم تسامحي, أومال.
السيدة: لولا مستعجلة ع الراجل و العيال كنت
أخدتهم و مشيت من وشك السمح, هنقول إيه بقى؛ منهم لله اللي ظلمونا ف البلد دي, هات
هات.
و انصرفت مسرعة.
هكذا كانت بعض معاملات الحاج منصور, و عندما
يأتى المساء يذهب للقهوة على الطريق الدائرى البعيد ليشاهد تلك الراقصة رفيعة
المقُام و الخِصر, كانوا يسمونها هَيفا الاسكندرانية.
و يشرب و يرقص و يأكل و يلقي بالجنيهات تحت
قدميها بسخاء.
و قبل أن يـأتى وقت الفجر يخرج بها مسرعا حيث
مخزنة القديم و الناس نيام, و بعد أن يكمل مهامة اليومية يغتسل ذاهبا إلى المسجد
القريب ليشهد له الجميع بالإيمان.
اقترب رمضان الكريم؛ اتصل به صاحب الجمعية
الخيرية التي يسافر معهم دائما؛ هم يعرفونه جيدا، و يعرفون مقصدة و بضاعتة التي
يحضرها من أرض الحرمين الشريفين.
آلو: أيوه يا حجيج جاي معانا إن شالله عشان
أعمل حسابك جوازك عندي زي كل سنة و برضه هتقعد لغاية الحج, و أهى كلها سبوبة.
منصور الخردجى: أيوه يا عمنا جاي, ربنا ما
يقطع لنا عادة, و كله بما يرضي الله, ضحك الاثنان بصوت عال و سلام سلام.
سافر المنصور بن حجاج عصرة و أوانه لمكة
المكرمة، و بدأ يجهز تجارتة المؤقتة حتى موعد الحج، و نسى أن يبدأ بعمرة في رمضان.
و في أثناء سكرتة بالتجارة و ذهابة المتقطع
للحرم الشريف, أخذ ناحية هاتف الشارع المقابل لمكان إقامته؛ ليتصل بأهله و يطمئن
على أعمال الخردة و تطفيف الميزان، و أثناء ذلك سمع صوت انفجار شديد عبر الهاتف ثم
انقطع الاتصال سريعا.
قلق الرجل فعاود الاتصال, سمع صوت ابنتة
تصرخ:
"إلحقنا يابا دعواتك الله يرحمنا.
الاسطوانات في المخزن انفجرت؛ اليوم حر
شديد و لا جهنم، و البيت ولع و احنا بنطفي و كلنا في الشارع و أخوي محمود راح فيها
الله يرحمه, طمني يا با فلوسنا حلال و عمرتك مبرورة".
سقط الرجل مغشيا عليه حتى وصل المطار في
تابوت منقوش علية ( ويل للمطففين ).