مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

صابرة بقلم: هبه عبد الغني عبد المحسن (مصر)

صابرة
بقلم: هبه عبد الغني عبد المحسن (مصر)
في غرفة الجلوس كانت تجلس "صابرة" بين بعض نساء الحارة مرتدية جلبابا قصيرا تحول سواد لونه للرمادي من جفاء الزمن، ضيقا كحجرات بيت أبيها الذي تُسجنها فيه زوجة أبيها منذ أكثر من عشرين عامًا و تعاملها كخادمة، حتى أصبح ذلك الجلباب جزءًا لا يتجزأ من جسدها الهزيل بل، و اصطبغ جلدها بسواد لياليه القاسية...
من حين لآخر تجذب على رأسها الوشاح ذو النتوءات الفارغة، تنظر لساعة الحائط البالية؛ الوقت يمر ببطء، الصمت يحيط بالمكان؛ يسأل عن المجهول المُنتظر مع الساعات القادمة...
تخرج مغسلة الموتى من حجرة زوجة أبيها بعد أن أنهت مهمتها؛ "لعلها غسلتها من ذنوبها" هكذا تمتمت إحدى نساء الحارة، بينما "صابرة" لا تبالي بما يحدث؛ فقط تنظر لمن حولها و للساعة، تجذب وشاحها، يدق قلبها باضطراب منتظرة مصيرًا لا تعلمه؛ فمنذ أن توفى أبوها و هي في السابعة من عمرها؛ استعبدتها زوجة أبيها و ابنتها من زوج أخر، حرمتها من التعليم، لم تكن تخرج من المنزل إلا لقضاء حوائجهم... حتى يوم أن فكرت "صابرة" في الهروب من ذلك السجن؛ منعتها زوجة أبيها و صبت عليها من ألوان العذاب ما أنهك جسدها الضعيف، بل سجنتها بالمنزل، و غلّقت جميع النوافذ و الأبواب، أصبحت "صابرة" لا ترى نور الشمس، لا تشم رائحة الحياة، لا ترى طيورًا و لا بشرًا؛ ترى فقط سجّانتها القاسية متحجرة القلب؛ حتى ابنة زوجة أبيها لم تعًد تزور أمها بعد زواجها، عاشت حياتها بعيدًا عن تلك الأم و ذلك السجن المظلم الكئيب الذي طالما حلمت "صابرة" وتمنت الفرار منه، طالما حلمت و تمنت رؤية جسدها بدون تلك الكدمات، حلمت و تمنت رؤية رأسها بدون تلك الندبات و النتوءات، رؤية شعرها الناعم الذي كانت تهذبه والدتها كل ليلة و هي نائمة بين أحضانها الدافئة...
انتبهت "صابرة" لطرقات الباب فأسرعت و فتحته لتجد ابنة زوجة أبيها ترمقها بنظرات الشك و الريبة، و تسرع لغرفة والدتها، دخلت و أغلقت الباب في وجه الجميع...
جلست "صابرة" مكانها خائفة ترتعش من برد المجهول و المصير المُنتظر، بعد قليل طلبت إحدى السيدات من "صابرة" الدخول لغرفة المرحومة؛ فالمشيعون ينتظرون في الأسفل لدفنها، توجهت "صابرة" لغرفة زوجة أبيها، فتحت الباب بعفوية؛ فوجدت الغرفة رأسًا على عقب، بينما الابنة تخفي في حقيبة يدها سلسلة ذهبية و بعض النقود؛ رمقت "صابرة" بنظرة استهانة و أزاحتها بقوة قائلة: "ليس لي حاجة في تلك الخرابة"، و خرجت من المنزل سريعًا، و ركبت سيارة زوجها الفارهه و رحلت... و مع رحيلها رحلت مخاوف "صابرة"، دخل عدد من الرجال و قاموا بحمل تابوت زوجة أبيها لدفنها، خرجت خلفهم تلك السيدات كلً إلى منزلها، و كأن شيئًا لم يكن؛ بينما أخذت "صابرة" تقفز هنا و هناك، تدخل و تخرج بين غرف بيت أبيها، كأنها لأول مرة تراها؛ اتسعت في عيونها الحجرات، غير مصدقة موت السجّان... ألقت الوشاح بعيدًا، بعثرت ما بقي من شعر فوق رأسها، نزعت ذلك الجلباب عن جلدها، فتحت النوافذ و الأبواب، صعدت فوق سطح منزلها تتنفس هواء الفجر... تلوح للطيور، لأول مرة منذ عشرين عامًا ترى نور الشمس، تفرد ذراعيها لأشعتها متمنية أن تلسعها بسخونتها، تدور و تدور، تداعب النسائم راغبة أن يحتضنها النسيم، و يحملها بعيدًا بعيدًا عن ذلك السجن و تلك الذكريات... تضحك و تضحك...
تصيح بكل قوتها: "انتصرت، و انتصرت حريتي"
فيجيبها صدى صوتها: "انتصرت، و انت صرت حريتي".
-bidi'>- عائلة الأصيل

تبسم لها في بلاهة
ـ قم يا ولدي اذهب إلى الحمام توضأ أذان الفجر اقترب
ـ نعم سأذهب إلى الحمام و أشد (السيفون).
انتهت