مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

المشاركة رقم 53 (مارس 2016): ما الذي تفعله وحدها؟

المشاركة رقم 53
ما الذي تفعله وحدها؟
بقلم/ هبة الله محمد حسن السيد ـ مصر
   متى بدأ جاسر يشك في زوجته؟ ربما عندما بدأ يشعر أنها تصير أكثر سعادة، عندما تعلم أنه لن يكون موجودا بالبيت! و الحقيقة أن جاسر كان ما يزال متعلقا أكثر بمنزل والديه، كان يجد متعة أكبر في البقاء هناك و الحديث إلى والديه و إخوته لذا كان ينتحل الأعذار دائما للبقاء أطول وقت هناك.
   أحيانا كان يعود ليجدها ما زالت تنتظره أو غلبها النوم فنامت و هي جالسة. في البداية لم تكن تعترض ثم صارت تبدي ضيقها بطريقة مستترة ثم بطريقة ملحوظة، أما هو فكان يتصنع عدم الفهم في معظم الأحيان، ثم صار يتشاجر معها في أحيان أخرى ثم لم تعد تبدي اهتماما، و في النهاية بدأ يلاحظ تلك السعادة الخفية التي تبدو على محياها كلما علمت أنه لن يكون بالمنزل!.
   إن النساء ينتحلن دائما أسبابا للشجار، أليس هو أفضل ممن يقضون جل وقتهم على المقهى مع أصدقائهم، صحيح أنه يتشاجر معها كلما تأخرت في زيارات أهلها لكن الأمر مختلف فهي كامرأة لديها واجبات أكثر منه فمن يغسل ثيابه المتراكمة و ينظف الشقة و يعد الطعام؟!.
   أتراه ابن خالتها الذي كان يرغب في الزواج بها قبله أم هو فتى الجيران الرقيع الذي يقضي جل وقته في الشرفة أو لعله الشاب الوسيم الذي... سحقا لتلك الأفكار التي توشك على إصابته بالجنون!.
لكنه اليوم رتب كل شيء ليعرف الحقيقة كاملة و ليقطع الشك باليقين كما يقولون، و سيمسك بها متلبسة بالجرم المشهود!.
ذات مرة قرأ خبرا عن مفاتيح خاصة لا تصدر صوتا تتيح للأزواج العودة متأخرين دون علم زوجاتهم، هو الآن بحاجة لمفتاح مماثل ليدخل دون أن تشعر به زوجته!.
أخبرها ـنه سيتناول الغذاء اليوم عند والدته؛ لم تستطع إخفاء لمعة عينيها، عرض عليها مرافقته فأخبرته أنها متوعكة قليلا و لن تستطيع الذهاب معه، فأبدى أسفه ثم أكد عليها أنه سيعود متأخرا فلا داعي لأن تنتظره!.
أخبر صاحب البناية أن لديه نية لتأجير الشقة المقابلة، و أخذ المفتاح بهذه الحجة، و من العين السحرية الصغيرة راح يرقب كل قدم تقترب من شقته!.
مرت الأوقات بطيئة مملة ثم سمع خطوات تصعد الدرج كان عامل توصيل الطلبات يقف أمام باب شقته مبتسما، عامل توصيل طلبات هل انحدر ذوقها إلى هذا الحد، أبعده و هو الصيدلي المحترم تنظر لمثل هذا العامل الصغير الشأن؟!.
سلم العامل البيتزا و أخذ نقوده و انصرف، ليس هو إذن، لقد طلبت اثنين لابد و أن الآخر بالداخل، متى دخل؟ أيكون هو من الغفلة لدرجة أن الرجل كان موجودا و مختبئا قبل مغادرته المنزل؟!.
تذكر النافذة التي تطل على غرفة النوم! نعم يستطيع أن يرقبها عبرها، كان هناك ذلك المنور الصغير الذي يفصل بين الشقتين و تتلاقى نافذتي غرفة النوم فيه و بمجرد أن اقترب سمع تلك الضحكة، ضحكة زوجته بلا شك، عابثة ماجنة، و سمعها تقول محادثة مجهولا و هي تضحك:
-        يخرب بيتك!
لم ينتظر حتى يسمع أكثر، تمالك أعصابه كي لا يفتح باب الشقة بعنف و يسمع اللعين صوته و يعرف بوجوده، دخل على أطراف أصابعه، و انتفض الجسد النحيل لرؤيته:
-        جاسر
لسعها كوب الشاي الذي كان بيدها:
-        مع من كنتِ تتحدثين؟
-        مع من؟ مع نفسي طبعا
-        كنت تقولين لنفسك يخرب بيتك!
-        لا
و أشارت إلى الرواية في يدها:
-        أرسين لوبين، إنه مذهل!
-        أرسين من؟!
-        ألم تقرأه من قبل؟
جلس على طرف الفراش:
-        رواية و كوب شاي و بيتزا
-        الحقيقة أنني كنت أغضب من غيابك الطويل عن البيت؛ فاضطر للبقاء بمفردي في المنزل، ثم وجدت أن لا بأس من أن تخصص وقتا لنفسك أخصصه أنا الأخرى لنفسي، ليس من الضروري أن تكون اهتمامي الوحيد.
-        امم... وقت لنفسك لتحولي فيه الشقة إلى مزبلة؟
-        شكرا! هل تغضب لو أخبرتك أنه لهذا السبب كنت أصير أحيانا سعيدة بغيابك، يمكنني أن أفعل ما يحلو لي و أتخلص من أعبائي المنزلية و... و لكن لماذا عدت فجأة؟
ابتسم كأنه متفهم و غمغم بصوت لا يسمع:
-        لأكون اهتمامك الأوحد!
أمالت رأسها و ابتسمت و في تلك اللحظة لسعها كوب الشاي بالفعل فجعلها تنتفض، هذه نهاية الخيالات الرخيصة،قالتها لنفسها،  إنه لن يهتم أصلا حتى لو اعتقد أن هناك رجل آخر، ليس هناك أفضل من أرسين لوبين فتى أحلامها القديم، و أمسكت بالرواية لتواصل القراءة، قبل أن تتوقف و قد خيل إليها أنها سمعت صوت المفتاح يدور في الباب!.
تمت بحمد الله
نتيجة مسابقـة مارس 2016