مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

المركز الخامس (مارس 2016): كانَ هناك يوماً

المركز الخامس
كانَ هناك يوماً
بقلم/ علاء الدين إبراهيم: مصر
   ثمة طفلة تلهو عند البحيرة الكائنة بجوار الحديقة التي اعتاد الجلوس بها كل يوم، لم يكن أمراً عجيباً أن تخطف الأنظار إليها، فهي قطعة من حسن كل النساء، لم يستغرق الأمر أكثر من دقيقة واحدة حتى هب الجميع لنجدتها بعد أن أوشكت على الغرق.
نجت من موت محقق هكذا أخبرهم المختص بالإنقاذ، سأل عن أهلها، لم ينطق أي شخص من المحيطين بها.
قال المنقذ: سأذهب إذن بها لقسم الشرطة لتحرير محضر بذلك، و قبل أن يفعل أخبره أحدهم أنه جدها.
لمْ يدرِ حينها لِمََّ فعلَ ذلك، لكن شيئاً ما دفعه للقيام بالأمرِ.
سألها المنقذ: أهو جدك حقًا؟
قالت ببرائتها المذهلة: نعم.
احتضنها بشدة و انطلقا يبحثان عن مأوى يلملم ضعفهما الطاغي، و بينما هما كذلك سألها بحنوٍ:
ـ أين تقيمين يا طفلتي الصغيرة؟
ـ أقيم في منزل أمي.
ـ و أين منزل أمك؟
ـ يبعد عن البحيرة بمسافة كبيرة جداً.
ـ و كيف قطعت وحدكِ كل تلك المسافة؟
ـ أتيت معك صباحاً يا جدي العزيز.
ـ جد؟! أي جدٍ يا طفلتي الحبيبة؟
ـ أنت. أما تذكر ذلك يا جدي الحبيب؟!
ضحكَ كثيراً عندما تمسكت به كجدٍ فهو لم يشعر بسعادة مماثلة قبل أن تنبس بتلك الكلمة الساحرة "جدي"...
صرخت فجأةً و هما يسيران بالشوارع كالمجانين: إنه منزلنا، إنه منزلنا.
سُرَّ الرجل بذلك أيما سرور قائلاً: أين هو يا حبيبتي؟
في تلك العمارة الكبيرة، و أشارت بإصبعها الصغير إلي عمارة متعددة الطوابق في نهاية الشارع، ذهب معها مسرعاً، لم يصدق للوهلة الأولي أن الصغيرة بمثل هذه الفطنة لتتعرف على منزلها بكل هذه السهولة، لكن شيئاً غريباً قفزَ إلي ذهنه فجأةً، لا جرمَ أن هذه الطفلة تتوهم أن هذا هو منزلها، كما توهمت أنه جدها.
سألها عن رقم الشقة فأخبرته أن يسير خلفها فقط، و أنها ستتكفل بأمر العثور عليها.
قالت: من فضلك يا جدي اضغط علي زر الجرس، ففعل؛ فإذا بشابة في الثلاثين من عمرها تقريباً تصرخ بعنفٍ في وجه الصغيرة: من أين جئت بهذا الأشيبِ؟
قالت الطفلة: إنه جدي يا أمي.
ـ جدك مات؛ ألا تفهمين؟!.
ـ لا لم يمت إنه أمامي الآن.
جذبتها من أمامه و نظرت إليّه باستعلاء كبير و أغلقت الباب في وجهه بكلِ عنفٍ.
لم يأبه كثيراً بالأمر لولا أن رجلاً عجوزاً ربت علي كتفه، و هو يكفكف بعض دموع هلعه علي الصغيرة، و قال: لا تحزن.
ـ مِمَّ أحزن؟
ـ لقد قاطعنا ابنتك بعد أن قامت بفعلتها الشنعاء.
ـ أي ابنة؟!
ـ تلك التي أغلقت الباب بوجهك لتوها.
ـ أنا لا أذكر ذلك.
انصرف العجوز و هو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لقد ضاع عقل الرجل لا بد أنه الزهايمر.

ترك البنايةَ لتوه دون أن يدري سبب مجيئه إليها، بيد أن شعوراً خفياً أوحى إليه بحنين أخَّاذٍ نبَّاذٍ، لبيدائه التي استوطنتها الأوابدُ.