المشاركة رقم 11
كاميليا
بقلم/ أحمد العباسى أحمد العباسى - مصر
ألا يحين لهذا النهد أن يلعق؟!، ألم يأن لذلك الخصر أن يعتقل بين يدي رجل – أيما رجل – دون أدنى مقاومة؟!، أولا توشك تلك الشفاه أن تستسلم نائمة بين شفتين يعلوهما شارب ـ أي شارب ـ فلا تستيقظ إلا على مسمع كلمات، تشهد بحلاوة مذاقها؟!.
اخجلي مني مرآتي ـ كعادتك القديمة ـ أو اغربى عن جسدي؛ فلن أبالي بكِ بعد الآن؛ فاللحظة غير اللحظة، و الآن ليس ككل آن، ما أنتِ سوى مرآة زجاجية واهنة، تقبل الانكسار.
ها هو صدري أمامك دون مواراة؛ انظريه جيدا و تأمليه؛ لا يحمل آثاماً، لا يكن شروراً لأحد من العالمين.
كل ما يحمله نهدان متماسان متماثلان و كأنهما الياقوت و الياقوت، يختبئان كرهاً لا طوعاً؛ ما خلقا إلا من أجل رجل مغوار، سوف يأتينى بعد ساعة من ليلتي هذه، و لن أتركه يغادر قبل ضحاها، فيسبر غورهما و يكتشف ما بهما من أسرار.
سأهديهما إليه ليرقصان ابتهاجاً باللقاء، و من دونهما خصر أعده، و أتوعدك ألا يزيده بعد اليوم خسارا، سأمنحه شفاهي لتتحدث نبضاً لا كلاماً، و أسدل شعرى مناصفةً على كتفينا، ليكون سياجاً حولنا؛ فما له ـ حينئذ ـ من مناص.
و لسوف أدعوه يتملقني شبه عارية، بملابسي الشفيفة، التي للمرة الأولى تخرج من خزانتها عقب الإفراج عنها، بعد انقضاء نصف عمري، لقد نعتوها ظلماً بـ "قمصان النوم"، و ما جُعلت إلا لأشياءٍ كثيرة تمنيتها، لم يكن من بينها أي نوم.
أشعر منذ فترة بأن أشيائي أوشكت صلاحيتها على الانتهاء، و أنه لا مفر من تسليمها لرجلٍ يجيد استعمالها، و التعامل معها.
أريده رجلاً و فقط، يكون بلحية، أو حتى بلحيةٍ و زوجة؛ لا يشغلني اسمه، و لا حتى عمره الذى يماثل عمري قبل عشرين سنة.
سأغويه ضدهم أجمعين، سأدللـه بأسماءٍ كثيرة، ليس من بينها ما لا أعتقده... و ذات يوم، سأوهمه بأنه الأجمل دون لحيته الشعثاء، و أنه الأصغر دون جلبابه الأبيض القصير.
يحتاج إلى أموالي، و أتوق لرجولته، تشح حافظة نقوده منتصف كل شهر؛ فيستكملها براتبي، و تستنفد أنوثتى يوما بعد يوم؛ فأنقذها بذكورته؛ ماهى إلا صفقة عادلة، سأقايض بكل سرور زوجته التي لا أعرفها؛ فأمنحها ما تسد به جوع أطفالها، حين يحل عليهم زائراً باراً بميعاده المتكرر، عند اكتمال كل بدر، على أن أقاسمها نصف زوجها؛ فأطفئ به ظمئي الذي بدأ منذ سنوات بعيدة.
فموتي بغيظك أيتها المرآة العجوز الشمطاء، فلن أعنس بعد اليوم، و لن أصبح مثلك عاقراً لا تهب حياة الخلد لأىي من المخلوقات، بل تخدعينا بحياة دنيا، عمرها من عمر زجاج أملس، لا يلبث أن ينكسر.
أما أنتِ أيتها السماء الممطرة، فاتركِ دمعك يسّاقط حزنا كما تشاءين؛ فلن يرجعني بكاؤك عما قررت، سأجد الزوج رغما عن أنفك المتعالي.
بعد فترة وجيزة، سمعت بأذنيها الرهيفتين؛ فتح، يليه غلق لباب شقتها، فتيقنت بأن الذى تنتظره قد بات قريبا؛ نظرت من ثقب صغير يخلو من مفتاح غرفتها، لتراه يدخل، يرافقه المأذون و رجلين.
عندها، نُفخت الروح في حياتها الجديدة، و عادت عجلة زمانها إلى الدوران مرة أخرى، و لم يعد لمخلوقٍ من حيلة لإيقافها بعد الآن.
و قبل أن تتهيأ للخروج إليهم، تجوب المكان بنظرة خجل و استحياء في مرآتها الكبيرة، مروراً بمقدسها الثالوثى، الذى تحتفظ به دوما، فوق منضدةٍ صغيرةٍ، بجوار وسادة نومها، و انتهاءً برسم معلق على الحائط لأمٍ عذراء و رضيعها. تلقى عليهم تحية المساء؛ لم يقابلوا التحية بمثلها، بل ردوا بأخرى مليئة بالسلام و الرحمة و البركات.
يخاطبها منفردة بصوت خافت:
- هل وافقت على كل ما طلبت؟
- نعم
- و راتبك؟
يسألها مترقبا الإجابة؛ فتجيبه:
- سيصلك بانتظام في الخامس عشر من كل شهر
- عظيم جدا، و لكن بقي لي من القيود شرط
- ما هو؟!
- هل وافقت على كل ما طلبت؟
- نعم
- و راتبك؟
يسألها مترقبا الإجابة؛ فتجيبه:
- سيصلك بانتظام في الخامس عشر من كل شهر
- عظيم جدا، و لكن بقي لي من القيود شرط
- ما هو؟!
تسأله بإندهاش؛ يُخرج من جيبه ورقة مكتوبة، و يطلب منها التوقيع عليها؛ فتقرأها بتأنٍ، ثم تجلس بعدها منكسرة حزينة، و تحدثه بلهجة يائسة:
- و لكننا لم نتفق على هذا!
- و لكننا لم نتفق على هذا!
فيرد دون تفكير:
- و لكن هذا هو شرطي الأخير.
تمسك بالقلم، و تفعل ما أراده، قبل أن تذرف دمعة تقع على ما تحويه الورقة من كلمات؛ فيتلقفها منها بسرعة معاتبا:
- كدت أن تبلليها!
- كدت أن تبلليها!
ثم يتوجه بالحديث إلى مرافقيه متباهياً، و قد انفرجت أساريره:
- لقد حققنا اليوم نصرا عظيما.
- لقد حققنا اليوم نصرا عظيما.
ثم يقرأ من الورقة بصوت مرتفع:
- "أقر أنه لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله"
- "أقر أنه لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله"
- انتهى -