المشاركة رقم 51
مجهول
بقلم/
باسنت حسين عبد الفتاح.
أمام قسم الأزبكية فتاة في العشرين من عمرها
ترتعد خوفا من شيء ما، يقترب منها شاب، يربت على كتفها، بحنو شديد يصطحبها،
يتوكئان على بعضهما البعض، بخطوات متثاقلة يمضيان، في مشهد اجتمع فيه الحزن و
الذهول معا، أخيرا وصلا إلى المنزل، نظرا للصورة المعلقة؛ انهمرت دموعهما من
الألم.
ـــــــــــــــــــ
أحمد أخى الأصغر، أكبره بأربع سنوات تقريبا،
هو حياتي التي أحمد الله أن رزقني إياه، و أنا نور اسمى على مسمى؛ فأنا دائما أضيء
حياة الآخريين، أزيح عنهم الظلام، و أمنحهم الأمل، هذا ما يقوله أبى عني، و تقول
زوجة أبى (كاميليا) أنها تحبني لطيبتي و براءتي، و أبي يقول أن أمى (رحمها الله)
كانت دائما تقول أنه سيكون لي مستقبل باهر، لأني أشبهها أحب الحياة. و صديق أبي
القريب منه (محمد) يحبنى أكثر من ابنته.
عائلتي الصغيرة
التي انتمي إليها، فقدت اليوم فردا من أفرادها!؛ على يد لص حاول سرقتنا فقتلها، يا
إلهي... إنها (طنت كاميليا) أمى الثانية.
ــــــــــــــــــــ
قبل
ثلاثة أيام كان
(عيد الحب) يوشك أن يطل علينا بوجهه المشرق؛ منحنا أبي المال لشراء
الهدايا لـ(طنت كاميليا)، ذهبت أنا و أحمد و اشترينا أحلى هديتين، ثم اصطحبنا أبي
و اشترينا التورتة و الزينة... عدنا إلى البيت، لنجد (طنت كاميليا) على الارض
بجانب سريرها، مطعونة بسكين حاد، و غارقة في بحيرة من الدماء، حاولنا إنقاذها، لكن
القدر لم يرد ذلك.
و لم يستطع رجال
الشرطة معرفة هوية القاتل...
ـــــــــــــــــــــــ
عدنا إلى المنزل
أنا و أحمد و هو لا يصدق أن أمه ماتت و تركته كما فعلت أمي من قبل.
ثم عاد أبى و
صديقه (محمد) و هو يتألم لفقدان زوجته للمرة الثانية و لم يستطع فعل شيء هذة المرة
أيضا، يا لهذا القدر من أفعال...
خيم الليل؛
أجهدني الحزن و البكاء؛ فغفوت، ثم أستيقظت على كابوس أرعبني، و أعاد لذاكرتي
المشهد الماضي عندما ماتت أمي في نفس المكان و ذات التوقيت، و لم نعرف حتى اليوم
من هو القاتل، و سجلت القضية ضد مجهول.
أخذت الهواجس و
الأفكار و الأسئلة تعصف بذهني: هل قاتل أمي هو نفس قاتل (طنط كاميليا)؟، و لمَّ في
ذات التوقيت و التاريخ؟، و ماذا يريد منا هذا القاتل؟، و ماذا فعلنا فيه حتى يفعل
هذا بنا؟، و لمَّ...
سمعت خطوات
تقترب من الباب؛ نزلت تحت غطائي، تحجرت كتمثال في تابوت فرعوني، عجز لساني عن
النطق، يُفتح الباب بهدوء شديد، قلبي يكاد يخرج من صدري، نبضاته المتسارعة يسابق
بعضها بعضا، في اضطراب و خوف و فزع، أرهف
السمع؛ صوت خافت يكاد لا يسمع يناديني: نووور، لم استطع أن أرد؛ حاول مرة أخرى
رافعا صوته قليلا: نور أرجوكي ردي؛ أدركت أنه أحمد:
ـ هل يوجد شيء
يا أحمد؟! (بصوت مليء بالخوف),
ـ تعالي انظرى
بالخارج...
ذهبت معه؛ صُدمت
بما رأيت، مكتوب على الحائط بالدماء (أتى دورك يا محمد)، محمد؟... لمَّ عمو محمد؟!
الكل تجمع، و
أعتقد عمو محمد أن أبي هو من كتب هذا؛ فذهب يتوسل إليه
ـ لا تقتلني، لم
أكن أدرك أنك ستعرف الحقيقة يوما، كفى أنك قتلت كاميليا، سامحني يا علي سامحني...
ـ انا قتلت
زوجتي؟! أجننت يا محمد؟!
ـ سامحني لم أكن
أعرف أنك ستنتقم مني هكذا، أعلم أنك غاضب، و لكن لا تقتلني، لقد مضى على وفاتها
الكثير، و كاميليا هي من خططت للجريمة، لم أفعل شيئا سوى ضربها بالسكين كما قالت
لي... أرجوك لا تقتلني...
و دخل في حالة
من البكاء و النحيب
لم نفهم ما قاله
بعد، و لكن كل ما أدركناه أنه يطلب سماح أبى له!، و قد فهم أبي أن أمي قُتلت على
يد زوجته كاميليا و صديقه محمد؛ طمعا فى ماله؛ فاجتاحته نوبة عصبية؛ فأدخله أخى
للغرفة و جلس معه، و ذهبت أنا لغرفتي و أغلقتها جيدا، و من شدة حزني و بكائي لا
أعرف إن كنت قد نمت أم اغمى عليَّ، و عندما
فتحت عينيَّ، أحسست براحة، ذهبت أبحث عن أبى و أخى؛ وجدت صديق أبي مقتولا!.
كيف حدث هذا؟، و
من قتله؟،
عدت إلى غرفتي
مسرعة، رأيته... هذا الشحص... القاتل،
ينظر إليَّ، و بيديه سكين شديدة اللمعان، يقربها إلى صدره، و على فمه
ابتسامة غريبة، و عيناه تملؤهما سعادة الانتقام، و يقول ليَّ بصوت هادئ:
ـ الان رجع الحق
لاصحابه...
نظرت إليه مرة
ثانية بعيون ملؤها الرعب، و جسدي يهدده السقوط، و ظللت أردد إني...
إني أعرف هذا
الشخص... إنه... إنه... ( أنا ).
نعم لقد قتلتهم
لأنهم خدعونا، وةأذهبتهم إلى مكان لن يرجعون منه أبدا، لأننا لا نحتاج لأمثالهم،
حرموني أمي؛ فحرمتهم الحياة، هذا هو القصاص العادل بالنسبة لَّ.
نعم إنى قتلتهم،
هذا انتقامى...
أنا اسمى نور، و
قد ازلت ظلمتهم من الوجود.
و كتب في محضر
موتهما هكذا "و ما زال القاتل... مجهولا"