مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

المشاركة رقم 46 (مارس 2016): تهجد أمي

المشاركة رقم 46
تهجد أمي
بقلم/ غدير محمد اسماعيل بهزاد  
   وضعت المفتاح في الباب و أنا أفتحه بكل هدوء كي لا تشعر أمي، تأبطت حذائي، مشيت على أطراف أصابعي، و عندما وصلت إلى منتصف الدرج، سمعت صوتها تبكي، اعتصر قلبي، هرعت راجعاً أدراجي، خفت أن يكون قد أصابها مكروه، و عندما وصلت إلى غرفتها، وجدت الباب موارباً، أعطت ظهرها للباب، متجهة إلي القبلة، لابسة ثوب صلاتها الأخضر عليه نقشت أزهار صغيرة، استغربت، أي صلاة هذه في منتصف اليل؟ هممت بالابتعاد، و لكن صوتاً في داخلي هتف: قف انظر إلى أمك، وقفت رافعة يديها كأنها تعانق عنان السماء و تدعو بصوتٍ شجي يخالجه الدموع: 
"اللهم احفظ أبنائي من آفات الدنيا و شياطين الإنس و الجن، اللهم ابعد الأسقام عن أبدانهم و أرواحهم، اللهم أغنهم بحلالك عن حرامك و بفضلك عمن سواك..."
و استمرت بدعائها، هالةٌ نورانية أحاطتها، أخذت الدموعي من خدي مسلكاً، و عاد ذلك الصوت الداخلي، يا لها من مشاعر صادقة عندما يدعو الإنسان لغيره بكل حب، و أنهت أمي دعاءها بـ: "إلهي استودعتُك أولادي قطعةً من قلبي، في مكانٍ غابت عنهُم عيني، و عينُك لم تغِب، فاحفظهم حفظاً يليقُ بعظمتك".
حينها علا صوتي بالبكاء كطفل صغير أضاع لعبة، التفتت أمي للباب هرعت إلي متسائلة:
ـ ما بك يا حبيبي؟ هل أصابك مكروه؟
احتضنتها واضعاً رأسي على كتفها، قلت لها بصوتي المخنوق:
ـ سامحيني أمي.
ـ علي ماذا أسامحك؟
بصوتٍ أنهكه البكاء قلت:
ـ في كل يوم أُوهمك أني نائم و عندما تدخلين غرفتك أتسلل للخارج، كم مرة كنت تتصلين بي و أنا لا أرد على مكالمتك، في أحد المرات مددت يدي في حقيبتك و أخذت مبلغاً من المال و هو آخر ما تملكين إلى أن يحين موعد راتبك، اختلقت الكثير من الأعذار الوهمية كي أتهرب من طلباتك...
قاطعتني و رفعت رأسي ليستقر بين كفيها وعينها في عيني كأنها ترى بدراً مضيئاً قالت:
ـ أنا أعلم أنك تتسلل ليلا لأني أصعد لأتفقدك و لا أجدك في سريرك، و عندما أتصل بك لغرضٍ ما و لا ترد ألتمس لك العذر لأن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال (احمل أخاك المؤمن على سبعين محمل). حتى أعذارك كنتُ أتقبلها بصدر رحب، و كيف لا أسامحك و أنت قطعة مني؟
بني متاعب الحمل و آلام الولادة و مشارط الأطباء التي لا يزال أثرها على بطني كلها ذلك و أكثر تجعلني أسامحك
هنا بدأت دموعي ملء كفيها كالبحر؛ أمسكتهما لأغرقهما بالقبلات و سقطت تحت قدميها و أنا أقول: يا ويلي ما أحقرني...

انحنت إلي: حبيبي انهض الحمد لله الذي استجاب لدعائي.