المشاركة رقم 46
تهجد
أمي
بقلم/
غدير محمد اسماعيل بهزاد
وضعت المفتاح في الباب و
أنا أفتحه بكل هدوء كي لا تشعر أمي، تأبطت حذائي، مشيت على أطراف أصابعي، و عندما
وصلت إلى منتصف الدرج، سمعت صوتها تبكي، اعتصر قلبي، هرعت راجعاً أدراجي، خفت أن
يكون قد أصابها مكروه، و عندما وصلت إلى غرفتها، وجدت الباب موارباً، أعطت ظهرها
للباب، متجهة إلي القبلة، لابسة ثوب صلاتها الأخضر عليه نقشت أزهار صغيرة،
استغربت، أي صلاة هذه في منتصف اليل؟ هممت بالابتعاد، و لكن صوتاً في داخلي هتف:
قف انظر إلى أمك، وقفت رافعة يديها كأنها تعانق عنان السماء و تدعو بصوتٍ شجي
يخالجه الدموع:
"اللهم
احفظ أبنائي من آفات الدنيا و شياطين الإنس و الجن، اللهم ابعد الأسقام عن أبدانهم
و أرواحهم، اللهم أغنهم بحلالك عن حرامك و بفضلك عمن سواك..."
و استمرت
بدعائها، هالةٌ نورانية أحاطتها، أخذت الدموعي من خدي مسلكاً، و عاد ذلك الصوت
الداخلي، يا لها من مشاعر صادقة عندما يدعو الإنسان لغيره بكل حب، و أنهت أمي
دعاءها بـ: "إلهي استودعتُك أولادي قطعةً من قلبي، في مكانٍ غابت عنهُم عيني،
و عينُك لم تغِب، فاحفظهم حفظاً يليقُ بعظمتك".
حينها علا صوتي
بالبكاء كطفل صغير أضاع لعبة، التفتت أمي للباب هرعت إلي متسائلة:
ـ ما بك يا
حبيبي؟ هل أصابك مكروه؟
احتضنتها واضعاً
رأسي على كتفها، قلت لها بصوتي المخنوق:
ـ سامحيني أمي.
ـ علي ماذا
أسامحك؟
بصوتٍ أنهكه
البكاء قلت:
ـ في كل يوم
أُوهمك أني نائم و عندما تدخلين غرفتك أتسلل للخارج، كم مرة كنت تتصلين بي و أنا
لا أرد على مكالمتك، في أحد المرات مددت يدي في حقيبتك و أخذت مبلغاً من المال و
هو آخر ما تملكين إلى أن يحين موعد راتبك، اختلقت الكثير من الأعذار الوهمية كي
أتهرب من طلباتك...
قاطعتني و رفعت
رأسي ليستقر بين كفيها وعينها في عيني كأنها ترى بدراً مضيئاً قالت:
ـ أنا أعلم أنك
تتسلل ليلا لأني أصعد لأتفقدك و لا أجدك في سريرك، و عندما أتصل بك لغرضٍ ما و لا
ترد ألتمس لك العذر لأن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال (احمل أخاك المؤمن
على سبعين محمل). حتى أعذارك كنتُ أتقبلها بصدر رحب، و كيف لا أسامحك و أنت قطعة
مني؟
بني متاعب الحمل
و آلام الولادة و مشارط الأطباء التي لا يزال أثرها على بطني كلها ذلك و أكثر
تجعلني أسامحك
هنا بدأت دموعي
ملء كفيها كالبحر؛ أمسكتهما لأغرقهما بالقبلات و سقطت تحت قدميها و أنا أقول: يا
ويلي ما أحقرني...