مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

المشاركة رقم 24 (مارس 2016): النمل

المشاركة رقم 24
النمل
بقلم/ خالد بدوى محمد عبد اللطيف ـ مصر
استيقظنا مبكرًا على أسراب من النمل، تسللت داخل بيتنا، عبر تلك المدائن التي تقع غربا، نهشنا بأظفارنا أجسادنا لشدة الحك الذي أصابنا، لامت والدتي أبي لعدم إحكام قفل الباب عند رجوعه بالليل متأخرًا، بينما صب والدي غضبه على أخي الأكبر، الذي عاد إلى البيت ليلة أمس مخمورًا، قام هو الآخر بصفعي لتَركي الشرفة مفتوحة، عندما رآني واقفًا أختلس النظر نحو بنت الجيران.
استخدمنا كل المبيدات الحشرية المحلية الصُّنع؛ لم تفلح حيال ذلك، حتى الجسر الذي أقمناه أمام البيت لم يُجدِِ نفعًا، و كدنا نفقد أخي الصغير عندما سقط في الترعة، لولا براعة أخي الأكبر و قدرته على السباحة.
أصر النمل أن يظل شريكًا لنا في كل شيء: الأواني المملوءة ببقايا الطعام، الفرش، حاويات الغلة، و الشاي، السكر، القهوة، و أقراص الخبز المخزونة، خشينا أن نحلب الشاة؛ فيخرج لنا من ضرعها أسراب.
أصبح العيش في الدار شبه مستحيل، عاد والدي ليخبرنا أن الحل الجذري لهذا النمل المفترس السام، في مبيد حشري أمريكي الصُّنع، وجده في دار العمدة.
فاجأنا أخي الصغير، صارخًا في جوف الليل، إثر كابوس أضج مضجعنا أكثر من النمل: رأى في منامه أن للنمل أسنانًا حادة، و حجمها زاد عن حجم الأَباعِير، مزقت جسده إلى أشلاء متناثرة؛ سخرنا من كابوس أخي كثيرًا، عُدنا لمضاجعنا مطمئنين.
في صبيحة اليوم التالي، انهار سريري الخشبي، بعد أن أكل النمل قوائمه الأربعة، بدأ ينهش في أساس البيت بنهم، كالنار في الهشيم، لعن والدي المنتج الأمريكي الذي جعل النمل يتوحش، و كأن رؤيا أخي الصغير قد تحققت.
جلب والدي مشتريًا للبيت؛ إلا أنه ولَّى مدبرًا عندما عرف بالقصة...
ـ لا خاب من استشار.
هكذا صاح والدي؛ جمعنا حكماء البلدة، و ضع خادم العمدة البهارات المستوردة على الطعام ـ و التي استخدمها والدي كمبيد ـ أُعِدت مأدبة العمدة للضيوف، امتلأت البطون، ظل الجميع يحدق بعضهم إلى بعض، كأنهم أُصيبوا بحالة من البلاهة، تحولت الجلسة مع الوقت للمداعبة و الحكي و احتساء القهوة، و انفض المجلس الذي كان بدار العمدة انفضاض تراب الذكرى من فوق ثيابهم.
أخيرا و بعد نفاد صبر؛ اهتدينا إلى حل: حفر كلٌّ منا أمام غرفته قناة صغيرة، مُلئت بالماء؛ لتقيه، انشغل كلٌّ منا بشاغله؛ بعضنا يذاكر دروسه، و منا مَن يبحث عن ملذاته بغرفته، إلا والدي المواظب على متابعة نشرة الأخبار؛ حمل التلفزيون إلى غرفته... مضت عقود و هو ينتظر خبرا هاما؛ انتهت النشرة، و أُغلق البث، دون أن يسمع والدي الخبر عن القضية الفلسطينية!.