المشاركة رقم 38
صراع
د. مرفت محرم ـ مصر
لا تسألني كم عمركِ الآن أيتها الصبية؛ فالعمر لا ينبغى أن يقاس بعنصر الزمن؛ بل يجب أن يقاس بحجم المعاناة و هول المحن التي يتعرض لها الإنسان... لن أطيل حتى لا يتسرب إلى نفوسكم الملل الذى أذلنى، مللته و لم يملنى!.
كعادة المسلسلات التلفزيونية، التي أراها خلسة من داخل الأسوار المنزلية؛ أبدأ بمشهد خارجي لحديقة غناء تحيط بفيلا رائعة الجمال و البهاء، و تخفى جدرانها عن الأعين الصفراء؛ ما يدعو للشفقة و الحزن و الرثاء!
(كلاكيت) مليون مرة؛ لم تستطع الابتسامة الاصطناعية ـ التي طلبها مخرج العرض ـ أن تخفي ألمي و معاناتي الداخلية...
ـ (استوب)
هكذا يصيح و الدي بانفعال، و تتوالى عبارات التأنيب و التوبيخ؛ فأصيخ لكلامه، خشية تكرار انفعاله؛ و أدغدغ نفسى بعصبية؛ كى تبدو الابتسامة طبيعية!
عكست المرآة صورة أنثوية لصبية حسنها فتان؛ شبيهة فينوس إلهة الجمال عند اليونان؛ لكنها فشلت في تصوير ما يعتمل داخلى من صراع؛ و ما يعتصرني من آلام وأوجاع...
بين الواقع و التمثيل مسافة كالتى بين أبي وأمي؛ أكره التمثيل، الذي يفرض علينا خيانة الشعور و الإحساس؛ من أجل ظهور صورتنا الخادعة أمام الناس!.
أخيراً و بعد اقتناع؛ ألقيت القناع جانباً، و خرجت إلى الحياة؛ صافحت ضوء النهار، و داعبت نسيم الهواء بحرية، بعيداً عن الخلافات المنزلية، و الجدران العازلة الأسمنتية؛ و أجهزة التكييف، و كشافات الإضاءة الصناعية...
تعبت من السير؛ فجلست على أريكة مواجهة لمسجد المرسى أبى العباس، و فى هذه الأثناء؛ إذ بوالدى يقترب مني؛ فانتابنى شعور غريب، و خوف رهيب...