المشاركة رقم 43
أنفاس
تتحدث بلغة أخرى
بقلم/
هاجر بوعبيد ـ المغرب
امرأة
تغسل يديها من الدماء صارخة:
-
"أنا لم أقتله لم أقتل أخرى...!"
رائحة
ثوبه معلقة على الجدران، و نبضات قلبه مطرقة تدمغ في الرأس؛ فتعاود الصراخ:
-
"أنا لم أقتله لم أقتل أخرى...!"
في
يوم قدّم النهار فيه استقالته، فأطفأت النجوم شموعها و أطفأ القمر نوره، فاستغل
الليل هذه الفرصة، و أخرج مخالبه التي امتدت إليها.
كانت
تجمع طوق الحب المتناثر فوق سريره، تتصيد كل قبلة حب عابرة فوق جسدها، تحرق
الأشواق و تشعل الحنين. هادئة جداً!.
حائرة
ما بين خاتم امتلكها، و وقت تجاهلها، لا تعرف إلى أي منهما تنتمي! تحتاج لتصفية
الأكسجين؛ فقد أصبحت تخنقها رائحة الخيانة الملوثة بعطر الحنين.
وقفت
بفستان أسود، اقتربت من ملابسه تنفض الغبار عن كل نسمة هواء لم يتحملها جسدها
النحيل، كأنما تحاول تصفية الأكسجين، و بحركة لا إرادية اختارت أن تموت اختناقا
بالخيانة، مُدعية أن تلك المحاولة للتخلص منها!
الساعة
الآن الثالثة صباحا، و ذلك الرجل الذي يحمل بعضاً منها يشوهه كله، و يخبئ بعضها
ليترك له بعض النقاء، فإن أفاق من النوم ذكـره بعضها باسمها و إن قبلها كانت قبلة
نقية لا تشبهه.
ما
زالت في انتظار وقع خطوة قادمة من رصيف رذيلة، بعدما أمات الموت سلطته بين
أنفاسها!
...
ضجيج في الأسفل!:
-
أ هو قد جاء؟... رويدا أيها القلب! أبعد كل هذا ما زلت مشتاقا؟
"مازلت
أشم رائحة سيجارته قبل أن يشعلها، أشعر بقطرة عرقه حينما تلمسها أخرى و أسمع كل
كذبة يحبكها بصدق!"، "أسمع قهقهات أخرى! هل معه امرأة؟ ألم يعد يتذكر
أني هنا؟ ألهذه الدرجة يتملكني، يعرّيني و ينحرني في خيمة عشقي و جنوني؟!.
هكذا
سمعتها تتمتم خوفا على قلبها. ضعيفة أمام ذلك الباب الذي يحدد حضورها، وجودها،
صمتها و صراخها... غريبة هذه الأنثى!؛ حتى أنوثتها المذبذبة لم تستطع الخروج، لم
تبكِ، و لم تصرخ! كأنها ساعة رملية، أو عقد من الياسمين اليابس!، ربما هي امرأة
عانقت الأمومة ببكر لم تلده!.
عادت
لتطوق عنقها بفاجعة المشهد الواضح خلف الحجاب المبلل من الدمع، مكبلة الجسد و
الروح و التنهيدة فجميع تفاصيله أمامها كحبل يشد خناقه عليها...
صمت
قاتل، بعده صراخ... صرخة من الماضي و أخرى من الحاضر، صرخة دائرية أُغلقت عليها
لتفيق على صرخة أخرى من صوت أخر ليس صوتها!؛ فجعت!، حسبته صوت ضميرها أو ربما
قلبها، لا... بل ما هو أفظع! خفق القلب و صمت، كأنه مات لحظة، ثم نام.
تراكم
الفضول من حولها، ما الذي يجري خلف هذا الستار؟ أي ليلة هذه و أي نار!
قررت
أن تفتح باب غرفتها دون التعمق في التفكير، و قادتها أرجلها بخطوات مسرعة متجهة
نحو الأسفل. رباه ما الذي يمكن أن تراه الآن؟
إنه
ملقى على الأرض! مغمور بعلامات الاستفهام. هو قلبها الميت أمامها، ممزوج بدماء
الجسد المطعون!
سقطت
إليه جثة جامدة ،لا يجري فيها سوى نهر من الصفاء يحاول فض الدم عنه، عانقته بقمة
الألم و قالت:
"سوف
أنتظر حتى يجف هذا الجسد."
صرخت
في وجه كل ثانية حاولت أن تذكرها بقائمته السوداء:
-
"إني أحبه... إني أحبه..."
بعد
لحظات كشف النهار أشعته، ليكتشف الجيران ما يدور حولهم من ضجيج.
فتحت
الباب عليهم ملطخة الوجه بدماء قلبها الميت بين ضلوعها!
الأعين
تتساءل و الشفاه عاجزة عن الحركة، ماذا حصل؟ ماذا جرى في بيت لا تسمع ضحكاته و لا
ترى دمعاته؟... اجتمعت الجماهير من حولها، كل واحد يستمد طاقة نطقه من الآخر:
ـ
أقتلته؟
بدأ
الذبح المعلن في مجتمع يعتبرها قاتلة بعدما قتلت كل شيء لأجل رجل كان هدية فارغة.
حركت
تلك الشفتان البنفسجيتان بحروف مائلة صارخة:
-
"أنا لم أقتله لم أقتل أخرى...! أنا لم أقتله لم أقتل أخرى!".