المشاركة رقم 39
ثأر و إياب
بقلم/ حسين حلمي شاكر
المغدور الذي ماتْ عاد إلى الحياة، أقسم الذين يسكنون بالقربِ من المقبرة بأن القبر قد تَصَدَّع أثناء الليل و خرج منه و قد امتلأ المكان برائحة العطِر و البخور، و قال الذين كان يسكُن معهم بالحي أنهم شاهدوه يدق الباب على أمّه و عندما رأته أغمي عليها، في حين أن أخته قد احتضنته و صرخت: أبي... أبي...
لقد عاد إلينا أخي، و ذكر الذين تجمهروا بأن أبيه قد ذرف من الدمع الكثير و قال: ألم أقل لكم بأن الذي يستشهد لا يموت، فتبسم له ابنه و غادر البيت على عجل و هو يحمل دمه قبل أن تداهمه السلطات و تصادر ما في عينيه، و عندما حاول شباب الحارة أن يتبعوه لوح إليهم بإشارةٍ من يده فتوقفوا، قيل بأنه توجه نحو الحاجز و قيل بأنه نصب كميناً بمكان اعتاد أن تمر منه دورية للاحتلال، و قيل أيضاً بأنه قد توجه إلى مقهى يعج بالمتسكعين و أنه يقصد أحد فيه، قيل الكثير و أهم ما قيل أنه ذهب ليبحث عن قاتليه، و توقع واحدٌ يعرف الشهيد جيداً بأنه قد غادر باتجاهِ القصر و لن يعود قبل أن يقتل قاتله.
مرتْ الأيام و لم يعد، اشغلَ بال الذين بالدنيا و الذين في الآخرة، منهم من بدأ يبحث، و منهم من ينتظر و لم يتبدل من الأمرِ شيئاً إلا عندما وُجِدَ شخص كان له في البلدِ سلطة مقتول و بالقربِ من جثته لعنة، فقال الحَكيم: بدأتْ تظهر الخيوط، و سيعود الشهيد، صار الجميع يتنظرون عودته و بدأ نسيج الحكايات، قال رجل جاء بالقربِ من مكان ليس له علاقة بسوادِ الليل أنه قد شاهده يحمل دمه و يصوب نحو شخص له أكثر من مئة عين، و ذراع طويلة، و أكثر من إبهام في كلِّ يد، و لديه من الأرجل ما يفوق ألف قدم، و لا يشبه البشر رغم ادّعائه، و قد قتله و كتب بدمه "قتلتكم".
أدرك الناس بأن المغدور قد أخذَ بثأرِه و سيعود، زينوا الطرقات و تهيأ الجميع و عندما حضر حملوه على أكفهم مرة أخرى و ساروا به في الطرقات التي أحبها و عندما وصل إلى مثواه ترجل و قبل الأرض و التحف ترابها و أقسم بعض الناس بأن التراب قد أضاءه الليل، و أن الحركة بين السماء و الأرض لم تتوقف و صار الجميع يشاهدونه في القرية.