مرحبا بكم في بلوج مسابقة واحة الأدب بالكويت في القصة القصيرة على مستوى العالم العربي برعاية رابطة الأدباء الكويتيين/ للوصول إلى صفحة المسابقة بالفيسبوك اضغط هنا

"كرايونكس" بقلم أ/ حسين كامل (العراق)


المركز السادس:
"كرايونكس"
بقلم أ/ حسين كامل (العراق)
في أنبوب ضيق، احتوى جسده، يحاول كسر قيود الثلج؛ لقد تجمّد منذ فترة طويلة وسط هذا التجويف الواقف في مكان تنزوي على جدرانه ماكينات غريبة تعمل على تحديث البشر.
يحرّك رقبته، تسقط قطعة من الثلج على قدميه، ينوي التأقلم مع محيطه، ينتظر تدفق كمية كافية من الدم في أوعيته، يرمّم ذاكرته، تتشقّق شفتاه:
- يا ترى هل أكملوا بحثهم عن عيّنتي؟ 
ريثما يتلاشى شيء من البرودة، يقرّب كفّه الأيمن الثقيل إلى قفل الباب الزجاجي التابع للأنبوب، يحاكيه بلمسة إبهامية، وكأنه يبصم، يعوي المكان بصرير التفتّح، تتكسّر قطعة من الثلج على جسده، يبتلّ، ينعتق من تجويف الأنبوب، تعانقه الدهشة، يريد فكّ طلاسم الزمان والمكان:- هل فعلاً أسافر إلى الأمام؟ الحرارة هنا لا تعرف إلّا تدرجاتها السالبة... الآن هي سيئة المزاج. يعود، يتلمّس زجاج الباب، يجد ورقة زرقاء معلّقة عليه، يفسّرها/ يقرأها: جداول، أدوية، توثيقات. ينظر حيث أعضائه التي لمّا تزل من كيان جنسه الأول، يطوّقه القلق، تحرقه معدته البشريّة، يستغرب:- هل كلّ هذا حقن في بدني؟ تبدأ إحدى الماكينات بالتكلّم معه، تنبهه بأن الحياة مهدّدة في الخارج، وما عليك سوى معاودة التجمّد في بيتك الخاص. يرفض هو الآخر؛ لقد سئم من طريقة الحفاظ على جسده من الموت المعلوماتي بعد إن مات شرعاً، كلّ بيانات دماغه، ستكون من قبل الباحثين على شريحة صلبة، حين يتمّ وضعها في جهاز فائق الذكاء، ربما يهاجمها فايروس لعين، فتضطرب معتقداته، مفاهيمه، وينسى كلّ المحيطين به، أي لم يعد يمت لواقعه بصلة ما، وإذا تحوّل إلى إنسان آلي، هنا يكون على حافة القيامة، لأنه يتضارب مع حقيقة الروح التي لا يعرف سرّها غير الرب. هكذا طافت بعقله التساؤلات والشكوك، فهرع متلهفاً، بعيون ثاقبة، يبحث عن ماضيه المنفي، يركض نحو باب الغرفة ذاتها، ينفتح له قبل أن يصل إليه بمسافة خطوة، يجتازه، يتلقّفه ممرّ مطلي بلون لم يتعرف عليه في السابق، يمشي مرعوباً؛ هذا الكم الهائل من الارتقاء قد تنافى جذرياً مع معرفته، يقابله شخص أصغر منه سنّاً، يحذّره وهو يعبر بمحاذاته، متوجهاً لأحد الأنابيب:
- لو خرجت من المؤسسة سوف لا تعرف كيفيّة التعامل مع الكائنات هناك.
يتمحور في حيرة البقاء والهروب، يتصارع مع ذاته المتوعدة بالانقراض، يتقعّر في بؤرة صمت، يقرر العودة إلى حيث مجيئه، صوب قدره المحتم، الشيء الوحيد الذي تألم منه كثيراً في هذا العالم المتغير هو قلبه... بدأ يخفق، تتناوب دقاته، وقبل أن تهبط... تقذفه الماكينة وسط الثلج؛ كي يحضنه الانجماد.