ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المركز الثالث
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
هو أم هي...؟
بقلم/ عبد المجيد طعام (المغرب)
" أحقا ما أسمع؟... أعيدي ما قلت... أرجوك..."
جالت في ذهنه الشكوك لأنه عاش تجربة مريرة لبس فيه الكذب لبوس الصدق،
فأمر زوجته بأن تعيد عليه ما قالت و أن تركز في لغتها لأنه فقد القدرة على استيعاب
ما يسمع... قالت له للمرة الألف: "نعم أنا حامل و في أسبوعي الرابع...!"
كاد أن يفقد كل أمل في أن يصبح أبا، زار مع زوجته كل أطباء المدينة و
جال بين العشابين و الدجالين و سافر إلى مدن أخرى، ابتلع أعشابا مضرَّة و حمل على
جسده طلاسم كثيرة و تناوب عليه الرقاة لكنه كان يسمع دوما من الأطباء نفس الكلام: "ليس
لديكما أي مانع للإنجاب... كل التحاليل تؤكد ذلك... ضعوا ثقتكم في الله..."
الانتظار كان قاسيا، متعبا ولذيذا... كان يحلق في فضاء أحلام يقظته...
كان يرى ابنه الذكر يكبر و يشتد عوده... ارتسمت على شفتيه ابتسامة شكر فنظرت إليه الزوجة و قالت له: "بعد ثمانية
أشهر... أخيرا يتحقق حلمنا... كم أرجو أن يمنحني الله بنتا جميلة تحمل شكل و لون
عينيّ و لها منك الشفتان و الأنف..." لم يستسغ حلمها، نظر إليها بعينين
حادتين تعلنان الرفض و أرجآ كل شيء إلى يوم الوضع
لتكون المفاجأة أكثر لذة و متعة.
كان مقتنعا أنها تحمل في
بطنها ولده "حسام" بينما هي كانت تلمّح بكل قوة أنها تحمل في بطنها
"عطاء" ذات العينين العسليتين... مرت أشهر الحمل عادية تصارعت فيها
الأحلام المختلفة... حانت لحظة الحسم، لحظة المخاض، اختار لها أحسن مصحة في المدينة...
تركها بين يدي الممرضات و الطبيب و نزل إلى غرفة الانتظار، لا يجد مستقرا... دار
دورات كاملة داخل القاعة الفسيحة، قطعها طولا و عرضا مرات عديدة... أحس بجسده
يرتعد عندما رأى الممرضة متجهة إليه لا تسبقها ابتسامة البشارة قالت له: "كل
شيء مر على ما يرام... زوجتك في صحة جيــــــدة و المولود كذلك... لكن الطبيب يريد
أن يراك..." ارتبك و ارتجفت شفتاه، تماسك نفسه و سألها: "المولود ذكر؟
أليس كذلك...؟ ذكر أليس كذلك... ؟" لم تجبه الممرضة و أفهمته أن كل الأجوبة
سيجدها عند الطبيب داخل مكتبه.
هنأه الطبيب و هدأ من روعه و قال له: "كل شيء مر في أحسن الظروف،
ما يهمّنا الآن هو الوضع الصحي لزوجتك... لقد خلدت للنوم و هذا مؤشر إيجابي... و
المولود كذلك..." قاطعه الزوج و سأله: "المولود ذكر...؟ ذكر...؟ أليس
كذلك...؟ لقد ربحت الرهان... زوجتي كانت تريد "عطاء" و أنا أردت
"حسام"... الحمد لله... ذكر"...
طلب الطبيب من الزوج أن يهدأ و دعاه للجلوس و الإنصات لكلامه، انهار
على أريكة، حدق بعينيه المتعبتين في نظارتيّ الطبيب متابعا باهتمام كبير كلامه:
"استمع جيدا... يا سيدي لما سأقوله لك... لقد وضعت زوجتك، لكننا لا نستطيع أن
نحدد الآن جنس المولود هل هو ذكر أم أنثى...!" أدرك الطبيب أن الزوج لم يفهم
أي شيء فأضاف: "المولود ولد بعضوين تناسليين مختلفين، عضو ذكر و آخر أنثى...
و لا يمكن الآن أن نحدد جنسه إلا بعد أن نجري له عملية جراحية، نبتر عضوا و نترك
آخر، و هكذا تنتهي المشكلة." باستعجال غير محسوب قال الزوج: "أنا موافق...
أنزعوا منه عضو الأنثى و أتركوا الذكر...! مستعد أن أوقع لكم على كل الأوراق التي
تحتاجونها... الآن..."
أخفى الطبيب ابتسامة مشفقة و قال له: "الأمر ليس بالسهولة التي
تتصور... العملية لا يمكن أن تجرى إلا بعد أن يبلغ المولود الخامسة من عمره... حتى
يكتمل نمو العضوين الجنسيين و نبتر واحدا منهما."... انزوى الزوج في دواخله
المضطربة و قد تحولت أحلام يقظته إلى كوابيس مزعجة، ماذا سيقول للعائلة، للجيران،
للأصدقاء حتما سيسألونه: " هل ذكر أم أنثى...ٍ؟" بماذا سيجيب، هل له
القدرة على أن يقول لهم: "وضعت زوجتي مولودا بعضوين تناسليين، و لا يمكن أن
نحسم الآن في أمر جنسه..." إنه يدرك أن لا أحد سيفهم ما يقول ولا أحد سيتقبل
هذا المولود الذكر و الأنثى في نفس الوقت" يا للعار الذي أصابني؟! ماذا فعلت
من جرم حتى يعاقبني الله هذا العقاب الغريب...؟!"
اقتحم الطبيب صمته و أوقف تناسل تساؤلاته القاتلة و قال له: "أن
يولد مولود بعضوين تناسليين مختلفين، ليس بالأمر الغريب... أمر حدث و يحدث و سيحدث
مستقبلا... على الأبوين أن يعرفا كيف يخرجان من هذه التجربة بأقل الأضرار..."
شعر الزوج بارتياح مؤقت لكن صدمته كانت أقوى حين عرف أن اختيار جنس المولود بعد
خمس سنوات لم يعد من حقه و إنما هو حق يجب أن يمارسه الطفل أو الطفلة "كيف...
؟ سؤال كنت أنتظره... عليكما أن تعرضا المولود خلال كل هذه السنوات على طبيب نفسي
ليتتبع ميوله، هل تستهويه حياة الأنثى فيريد أن يكون أنثى أم العكس... عليكما أن
تقدما له دعما تربويا و نفسيا محايدا و اتركا له حرية الاختيار..."
خرج الزوج منكسرا متعبا من مكتب الطبيب، لم يتوجه إلى الغرفة أين ترقد
زوجته، ذهب مباشرة إلى شقته... جمع كل العرائس التي اشترتها زوجته لتزين بها غرفة
حلمها، ألقى بها في القمامة و علق على الجدار قرب سرير حلمه صورا لحاملي الأثقال و
رياضة كمال الأجسام و هم يستعرضون عضلاتهم الرجولية المفتولة و صرخ بأعلى صوته في
جنح الليل: "لن نبتر من جسدك يا ولدي إلا العضو التناسلي الأنثوي... أنت حسام و
لن تكون أبدا عطاء...".